دراساتصحيفة البعث

الموقف الأمريكي من القرار 2728 مثير للريبة

ريا خوري 

بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الحرب الصهيونية البشعة على قطاع غزة، تبنّى مجلس الأمن الدولي للمرة الأولى قراراً لوقف إطلاق النار، فقد امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام حق النقض (الفيتو) وهي الدولة الأولى التي دعمت الكيان الصهيوني في تلك الحرب التي وصفت بالإبادة البشرية وفق محكمة العدل الدولية وجميع المراقبين الدوليين. ذلك الموقف دفع مجرم الحرب بنيامين نتنياهو إلى إلغاء مهمة وفد الكيان التي سيقوم بها إلى العاصمة الأمريكية واشنطن “احتجاجاً” على امتناع الولايات المتحدة عن التصويت.

القرار الذي قدّمه الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن طالب بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، كما تضمّن تأكيد الحاجة الضرورية والملحّة لزيادة المساعدات لقطاع غزة وإزالة جميع الموانع والحواجز أمام تسليمها. وقد لقي القرار موافقة أربعة عشر من أعضاء المجلس من أصل خمسة عشر. وكانت روسيا الاتحادية قد قدّمت خلال الجلسة نفسها إضافة عبارة “وقف دائم لإطلاق النار” لكن المجلس أخفق في اعتماد التعديل الروسي.

لقد شكَّل امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام حق النقض في مجلس الأمن ضد قرار يطالب بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان المبارك والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع “الرهائن والمحتجزين”، تحوّلاً نوعياً بل مفصلياً في الموقف السياسي الأمريكي، بعد أن استخدمته واشنطن 4 مرات خلال الأشهر الخمسة الماضية، وهذا ما شجّع الكيان الصهيوني على المضي في حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها جيشه ضد الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة.

في حقيقة الأمر، موقف الولايات المتحدة الأمريكية الجديد ليس تعبيراً عن خلافات في وجهات النظر بينها وبين الكيان الصهيوني فقط، بل هو يعبّر تمام التعبير عن خلافات رئيسية حول المصالح الأمريكية الاستراتيجية في منطقتنا العربية.

وكانت الصين وروسيا الاتحادية قد استخدمتا حق النقض لإسقاط مشروع قرار أميركي يدعو إلى وقف لإطلاق النار “في سياق صفقة لإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين”، وهي صياغة وصفها العديد من الدول العربية والصين وروسيا الإتحادية بـ “المسيّسة والغامضة”. أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد كانت قد عارضت في مراحل سابقة عن سابق إصرار وقف إطلاق النار في قرارات الشرعية الدولية، وعرقلت ثلاثة نصوص في هذا السياق منذ حرب الإبادة التي شنتها قوات العدو ضد قطاع غزة وسكانه.

لقد أصاب قادة الكيان الصهيوني الدوار نتيجة لتغيير موقف الولايات المتحدة، فكان موقفهم سلبياً للغاية. تبدّى ذلك من خلال ما أعلنه مجرم الحرب نتنياهو بإلغاء زيارة وفد الكيان الصهيوني إلى الولايات المتحدة حيث كان مقرراً أن يبحث مع المسؤولين الأمريكيين المتخصصين الخطط الصهيونية تجاه الإصرار على شن هجوم مدمِّر على مدينة رفح الفلسطينية، وهو ما كانت الولايات المتحدة قد حذرت من نتائجه الكارثية.

في هذا السياق، لا يمكننا أن نغيِّب فكرة أنَّ العلاقة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية هي علاقة استراتيجية وتخضع لضوابط محكمة. ذلك الموقف الذي شكّل تحوّلاً تجاه ما يجري من حرب إبادة جماعية في قطاع غزة، ليس تحوّلاً استراتيجياً، فقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تصريحاً اعتبرت فيه أنّ الموقف الأمريكي غير ملزم وتنفيذه يمكن أن يتم عبر مفاوضات طويلة وهو محاولة منها للتخفيف من آثار القرار ويندرج تحت عناوين الخداع والمراوغة. وهو موقف يتعارض مع موقف الدول التي أيّدت القرار الذي حمل الرقم 2728، ودعت إلى تنفيذه فوراً.

الجدير بالذكر أنَ جون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي الأميركي قال: إنَّ امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي لا يمثِّل تحوّلاً في سياسة الولايات المتحدة، موضحاً أنه لم تصوِّت الولايات المتحدة لمصلحة القرار مكتفيةً بالامتناع عن التصويت لأن الصيغة النهائية للقرار رقم 2728 لا تتضمّن التنديد بحركة حماس.

لقد أعلنت العديد من الدول العربية عن موقفها الصريح والحاسم لدعم القرار، فقد أعلن عمار بن جامع مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة أن اعتماد القرار رسالة لأهل قطاع غزة بأنَّ المجموعة الدولية تشعر بآلامهم ومعاناتهم ولم تتخلَّ عنهم أبداً، كما دعا العديد من البعثات العربية في الأمم المتحدة إلى الالتزام بالتنفيذ الكامل للقرار 2728، وعلى المجتمع الدولي ضمان نجاحه بشكل عملي، وهذا يعني أنه ليس مهماً صدور قرار يدعو لوقف فوري لإطلاق النار، بل المهم أولاً وأخيراً تنفيذه، ووضع الأطر والسياقات اللازمة لذلك، وخاصة أنَّ الكيان الصهيوني الذي يعدّ نفسه فوق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، لم يلتزم بتنفيذ أيّ قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي أو عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يعلن اليوم أنه لن ينفّذ القرار، ويصرّ إصراراً أعمى على مواصلة الحرب الوحشية المدمِّرة، واجتياح مدينة رفح الفلسطينية التي تؤوي أكثر من مليون وثمانمائة ألف إنسان.

من الواضح أن الكيان الصهيوني في رفضه الصارخ تنفيذ القرار رقم 2728، إنما يعلن تحدّيه مجدّداً للعالم بشكلٍ عام، وللولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ خاص، ومن الواضح أن مجرم الحرب نتنياهو لا يعير كبير اهتمام للموقف الأمريكي لأنه يعرف ضمناً أن هذا الموقف لدواعٍ انتخابية خاصة وأنّ الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة على الأبواب. وكان قد قال: وقد عبَّر عن ذلك مسؤول صهيوني كبير بقوله: إنَّ رد فعل نتنياهو يزيد المشكلة ويزيد من تعقيدها. لقد اختار خلق أزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد تتالت المواقف من داخل الكيان منتقدةً مجرم الحرب على مواقفه، حيث قال ديبي ببطون عضو الكنيست: في كلّ مرّةٍ يثبتُ نتنياهو أنّهُ لا يوجد قاع للهاوية التي يجرّ الكيان إليها، ليس هذا فحسب بل أكّد العديد من أعضاء الكنيست فشل نتنياهو السياسي لأنه يضع الكيان برمّته في خطر وجودي، ويبعده عن البيت الأبيض، وهذا سيؤدّي إلى كارثة كبيرة على مستقبل الكيان.

إنّ السعي الأمريكي يهدف في نهاية الأمر إلى إنقاذ الكيان من حرب لا طائل منها، محاولاً الحفاظ على كيانه ودوره الوظيفي ومستقبله وإنقاذه من تداعيات ربما لا يستطيع تحمّل نتائجها.