“التسوّل” على طاولة النقاش.. مشروع لتعديل القانون الخاص بمكافحة الظاهرة بهدف سد الثغرات
يعتبر التسوّل إحدى الظواهر السلبية التي تعكس وجود خلل في التوازنات الاقتصادية والاجتماعية وتعطي مؤشراً على زيادة الفساد والفقر داخل أي مجتمع، وتزداد خطورة هذه الظاهرة في أنها تستغل الأطفال والمراهقين والنساء وذوي الإعاقة، معتمدة على استجداء عطف الناس من خلال عبارات مؤثرة بتنا نسمعها يومياً على الأرصفة وفي الشوارع وفي وسائل النقل حتى غدت جزءاً من يومياتنا العادية!.
من الشارع
بعد أخذ وردّ مع سيدة بعباءة سوداء تفترش رصيف شارع الثورة، قبلت بالتحدث مشترطة عدم ذكر اسمها.. قالت: ربما تنظرين لي كما بقية العامة باستغراب أو دونية ولكن أنا سعيدة بمهنتي هذه، فهي سبيلي لتأمين لقمة العيش، هي مهنة أمي رحمها الله، وثيابنا هذه خاصّة بالعمل في الشارع “تسوّل”، ولكن حين نعود إلى المنزل الذي أسكنه وابنتي أرتدي ثياب المنزل النظيفة ونعيش طقوسنا العائلية كأي أسرة سورية، وتابعت: كلّما كانت ثيابي مهترئة ووسخة و”مشقشقة” كسبت عطف المارّة بأموال تكفيني قوت يومي وأحياناً لعدّة أيام، وهنا تبتسم ممازحة “أجني مالاً أكثر من راتبك يا آنسة”، والمفارقة بالحديث معها أنها من ساكني أحد أحياء دمشق القديمة، بالطبع أمثال هذه السيدة كثر، بتنا نجدهم في كل مكان، بل الظاهرة انتقلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي وباستخدام أساليب لكسب تعاطف وشفقة رواد المواقع!
امتهان وخجل
للتسوّل فئتان وفق ما تحدثت الباحثة الاجتماعية، الدكتورة أمل قدور، فئة تعمل ضمن شبكة منظمة من مجموعة أفراد تمتهن التسوّل باعتبارها مهنة سهلة الربح تحتاج إلى مهارات في التواصل واستجداء عطف الناس، حيث يتمّ تدريب هذه الفئة للعمل فنجد طفلاً حافي القدمين ويرتدي ملابس متّسخة ويدّعي وفاة والده وبأنه بلا مأوى ويلتحف السماء ويفترش الأرض ليلاً، وأنه بحاجة للمال كي يأكل أو نجد شخصاً معوقاً يحمل أدوية وتقريراً طبياً بأنه بحاجة لعلاج وغيرها من الحالات والسيناريوهات التي قد نصادفها بالشارع، ومنهم من يقوم ببيع (بسكويت، محارم، علكة، ورد) كتغطية لعملية التسول والخطورة و-الكلام للباحثة- ليست بالتسوّل وجني المال وإنما بأبعادها الأخرى ضمن هذه الشبكة كمراقبة محلات للسرقة (سرقة منازل، ارتكاب جرائم، متاجرة بالمخدرات، تجارة أعضاء، اختطاف، اعتداءات)، ومن المؤسف أننا نجد فتيات صغيرات في عمر صغير وهن جميلات يقفن عند إشارات المرور يطرقن نوافذ سيارات في وقت متأخر من الليل ممّا قد يعرّضهن للعديد من المواقف غير الأخلاقية، بينما على النقيض هناك فئة تحتاج إلى مساعدة حقيقية ولم تجد الجهة التي يمكن أن تقدم لها المساعدة وهم غير قادرين فعلياً على العمل، وهذه الفئة تكون خجولة عند الطلب لأنها بحاجة فعلاً وفي الوقت نفسه غير مدرّبين مثل الفئة الأولى.
أولوية ومعالجة
في سورية أولت الجهات المعنية اهتماماً بمكافحة التسوّل وفق ما ذكرت مديرة السياسات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عواطف حسن، مشيرة إلى أن الوزارة تتابع “التسول” بالتنسيق مع كافة الجهات المعنية، وتعمل الوزارة مع الوزارات ذات الصلة ضمن الإمكانات المتاحة لمعالجة هذه الظاهرة وفق آليات محدّدة.
أصبح مهنة
إن ما يؤدي إلى تفاقم هذه الظاهرة، بحسب مديرة السياسات الاجتماعية، هو امتهان التسوّل، حيث لوحظ ارتفاع نسبته من قبل الأهل من خلال تشغيل أطفالهم كأحد أساليب التكيّف مع مؤثرات الأزمة وفقدان مصادر الدخل والتهجير بسبب ممارسات العصابات الإرهابية المسلحة، والضرورة لدعم دخل الأسرة، وخاصة الأسر التي تعيلها نساء أو في حال وفاة المعيل، حيث يتمّ زجّ الأطفال في سوق العمل أو أعمال لا تتناسب مع قدراتهم، عدا عن التفكك العائلي وانعدام الرعاية الأسرية، إضافة إلى الطمع والجشع واتخاذ بعض الأفراد التسول كمهنة للكسب غير المشروع، ولا ننسى الإصابة ببعض الأمراض العقلية والنفسية.
مكاتب مكافحة
ولفتت حسن إلى أن ظاهرة التسوّل تداخلت مع ظاهرة التشرّد والانفصال الأسري، حيث تبيّن أن النسبة الأعلى من الأطفال المتسوّلين والمتشردين هم من فاقدي الأسرة خلال الحرب الممتدة، إما بسبب السفر خارج القطر أو تخلّيها عن الطفل بسبب الفقر، وللحدّ منها بيّنت حسن أن وزارة الشؤون بالتعاون مع الجهات المعنية عملت على تفعيل مكاتب مكافحة التسول في المحافظات وفقاً لما حدّده القانون رقم /16/ لعام 1975م كون المكاتب هي أبرز أدوات العمل لتطويق الظاهرة وضبط الحالات، فالقانون المذكور منح العاملين بالمكاتب صفة الضابطة العدلية بعد أدائهم القسم القانوني، حيث يتمّ تسيير الدوريات لضبط الحالات، وتوسيع الطاقة الاستيعابية للمراكز التي تقدّم الخدمات لهذه الشريحة، موضحة أنه تمّ افتتاح قسمين للمتسوّلين والمتشردين (قسم في باب مصلى للإناث، وقسم في قدسيا للذكور) يداران من قبل جمعية حقوق الطفل، إضافة إلى قسم مع جمعية “دفا” بالشراكة مع الوزارة، وتهدف هذه الأقسام إلى دعم الأطفال المتسوّلين والمتشرّدين الذين لا مأوى لهم مصحوبين أو غير مصحوبين لتمكينهم من الحصول على حقوقهم الكاملة وتحقيق نمائهم الجسدي والمعرفي والاجتماعي والعاطفي وإعادة دمجهم في المجتمع، إضافة لتفعيل دار تشغيل المتسوّلين والمتشرّدين بالكسوة وتوسيع الشرائح التي يستقبلها، وإعادة تفعيل المركز التابع لجمعية رعاية المتسولين والمتشردين في حلب، وتخصيص جزء منفصل من مركز الأحداث في حمص لتقديم الخدمات للمتسوّلين والمتشرّدين.
إعادة تأهيل
ولفتت حسن إلى أنه ضمن الدُور التابعة للوزارة، يتمّ توفير خدمات الدعم النفسي الاجتماعي للفئات المستهدفة وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع، وتقديم خدمات الرعاية بكافة أشكالها (تعليمية- صحية- اجتماعية- نفسية- تأهيلية- وتمكينية)، كما تمّ العمل على إنجاز نظام إدارة الحالة /وثيقة الرصد والإبلاغ والإحالة/ التي تناولت 9 حالات من بينها التسوّل والعمل على تدريب القدرات اللازمة لذلك من كوادر الوزارة ومديريات الشــؤون الاجتماعية والعمل في المحافظات والجمعيات الأهلية، ونوهت بأن الخدمات المقدّمة ستنطلق من هذا النظام للتمكن من توسيع قاعدة تكامل الجهد مع المجتمع الأهلي، ولكي تكون جودة الخدمة معروفة أشارت إلى أنه تمّ اعتماد آلية جديدة لمكافحة ظاهرة التسوّل والتشرّد بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والعدل، وأخذ الموافقة عليها من قبل رئاسة مجلس الوزراء والتي بموجبها أصبح جمع الحالات من المتسوّلين والمتشردين يتمّ عن طريق وزارة الداخلية (غرفة عمليات الشرطة) من خلال الاتصال المباشر بالأرقام المجانية المعلنة لعمليات أقسام الشرطة (108- 130) في كل المحافظات، ومن ثمّ إحالتها إلى القضاء للعرض على المحامين العامين عن طريق مكتب مكافحة التسول والتشرد ومن ثم إحالتهم إلى دور الرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون بعد استكمال كافة الإجراءات اللازمة أصولاً.
مسوّدة أولية
وبهدف التطوير النوعي في مستوى وجودة الخدمات المقدمة في مؤسسات الرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ولاسيما دور رعاية وتشغيل المتسولين والمتشردين بما ينعكس إيجاباً على الشرائح المستهدفة، ذكرت مديرة السياسات الاجتماعية أن وزير الشؤون الاجتماعية وجّه بضرورة تعديل القانون الخاص بمكافحة ظاهرة التسول والتشرد ليراعي كافة الثغرات الموجودة على أرض الواقع، حيث تمّ إعداد مسودة أولية للقانون وطرحها للحوار للأشخاص المتخصّصين من المنظمات غير الحكومية بكافة المحافظات ليتمّ العمل على إغنائه والخروج بمسودة أولية للقانون يتمّ عرضها على لجنة التنمية البشرية.
ليندا تلي