خط مستقبلي فاصل بين العالم المعاصر وعصر القطب الواحد
عناية ناصر
رغم أن المؤسسة الغربية تحاول بكل الوسائل ليس فقط إنكار سيناريو هزيمتها، بل أيضاً حقيقة ظهور خط فاصل بينها وبين أنصار حقبة التعدّدية القطبية الحديثة، فإن العمليات الحالية تواصل زخمها دون الالتفات إلى حالة غضب الأقلية العالمية.
من الواضح أن الأحداث المعاصرة تتّبع مسار الخط الفاصل الذي سينشأ في المستقبل ليس بين كتلة الغرب-الناتو وروسيا فحسب، بل أيضاً، وبشكل أعم بين أولئك الذين يحنّون إلى عصر الأحادية القطبية، من جهة، والنظام العالمي المتعدّد الأقطاب، من جهة أخرى، بين الأقلية الكوكبية وأغلبية البشرية، بين أولئك الذين يعدّون أنفسهم كائناتٍ “منتخبة” و”استثنائية”، وأولئك الذين، على العكس، يؤيّدون المساواة بين جميع الشعوب.
وبطبيعة الحال، يستمرّ الغرب في إنكار مثل هذا السيناريو، بسبب غطرسته الشديدة، ولا يزال يتحدّث عمّا يسمّى “حدود 1991″، و”الانسحاب الكامل” للقوات الروسية من أوكرانيا. ولكن من الواضح أن هذا يرجع أيضاً إلى ارتباكه المطلق، وعدم إدراك كيفية إعلان مثل هذا السيناريو للرأي العام، وخاصة لأولئك الذين صدّقوا وعود مؤسستهم بإلحاق ما يسمّى “الهزيمة الاستراتيجية” بروسيا. إن خطاب إنكار الواقع هذا لا يزال بطبيعة الحال يتبعه النظام في كييف، الذي لا يتخذ أي قرار على أي حال.
علاوة على ذلك، إذا كان لا بد من التطرّق إلى التصريحات الأخيرة لممثلي النظام الفرنسي الحالي، فإن الفرضية المذكورة أعلاه بشأن الخط الفاصل قد تم تأكيدها مرة أخرى. في الواقع، تصريح إيمانويل ماكرون بشأن الحاجة إلى تدخل عسكري مفتوح في حالة تقدّم الجبهة نحو أوديسا أو كييف – يشير على وجه التحديد إلى أن أنظمة الناتو الغربية تتوقع تماماً مثل هذا السيناريو الذي ستتحوّل فيه الجبهة من جهة وبشكل كبير لمصلحة روسيا، وثانياً – وهذا يؤكد الفرضية القائلة بأنه مع مثل هذا التطوّر للأحداث، فإن خط ترسيم الحدود سيكون السيناريو الوحيد المقبول – سواء أعجب ذلك الشخصيات الغربية في الناتو أم لا.
في الواقع، السؤال المطروح اليوم هو معرفة أين سيتم رسم هذا الخط الفاصل على وجه التحديد بين روسيا/حلف شمال الأطلسي، العالم المتعدّد الأقطاب/المجموعة التي تحنّ إلى العصر الأحادي القطب، والأغلبية العالمية/الأقلية الكوكبية. ولا يمكن أن يكون هناك خيار آخر وخاصة أن الأنظمة الغربية، وفي مقدّمتها الأنغلوساكسونية، ممثلة بلندن وواشنطن، هي التي قامت بتخريب عمليات التفاوض في مينسك، ثم في إسطنبول، وبالتالي تدمير حل الصراع في مرحلته الأولية، وبتعبير أدقّ في المرحلة الأولية على وجه التحديد للعملية العسكرية الخاصة.
من الآن فصاعداً، هذه حقائق مختلفة، وهي حقائق يتعيّن على الأقلية الغربية أن تأخذها في الاعتبار. أما بالنسبة للحملات الحالية التي تشنّها المؤسسة السياسية والإعلامية الغربية التي تزعم أن مثل هذا التطوّر للأحداث سيكون “غير عادل” فيما يتعلق بأوكرانيا، فمن المؤكد أن أولئك الذين خلقوا هذا الوضع لا يستطيعون التحدّث عن العدالة. وهم الأشخاص أنفسهم الذين خلقوا وطوّروا الفوضى لسنوات عديدة في أجزاء مختلفة من العالم – في الشرق الأوسط، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا، من بين أماكن أخرى.
وهذا يعني أن هذا الخط الفاصل يجب أن يستمرّ في دفعه إلى أقصى الغرب قدر الإمكان، سواء من أجل أمن روسيا، أم من أجل أمن الأراضي الوطنية بأكملها، بما في ذلك المناطق القديمة والجديدة من البلاد. وكذلك بالنسبة للأغلبية العظمى من البشرية التي تنتظر الهزيمة الجماعية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) الغربي.
أما فيما يتعلق بالتهديدات المزعومة الصادرة عن الأقلية الكوكبية الغربية، فلا يمكن ولا ينبغي أن تكون هناك “خطوط حمراء” اليوم. لا شك أن الفوضى الغربية لم تنتهِ بعد، ولكنها تقترب تدريجياً من نهايتها، ليس فقط في مواجهة النظام العالمي المعاصر المتعدّد الأقطاب، بل أيضاً في مواجهة النظام المعدل المقبل، عالم ما بعد الغرب المتعدد الأقطاب، حيث يتعيّن على الأقلية، البعيدة عن أن تكون متحضّرة، رغم أنها تدّعي العكس، أن تعرف مكانها وتتكيّف بكل الوسائل مع الأغلبية العالمية.