دراساتصحيفة البعث

“أربعائيات”.. “بحكم المنطق ولاشيء غير المنطق”.. الفن الذي وحّد العرب يوم فرقتهم الإيديولوجيا

مهدي دخل الله

علينا أن نعترف، فوراً، أن الوحدة العربية الحقيقية الموجودة اليوم صنعها الفن بينما فشلت السياسة والشعارات والإيديولوجيا فشلاً ذريعاً في توحيد الأمة.

لم تنجح خطب عبد الناصر الجذابة وأفكاره القومية المرموقة بتحقيق اقتراب فعلي من الوحدة العربية، أو أقله، التفاهم العربي. كما لم تنجح أفكار ساطع الحصري وزكي الأرسوزي سوى في إثارة اهتمام النخبة المثققة المتابعة التي هي، في النهاية، نخبة محدودة العدد والتأثير..

ولم تنجح الأحزاب والحركات القومية، على الرغم من نضالها الحماسي المستميت وأفكارها الخلاقة، سوى بتعميق الخلاف بين العرب. بل إن حزباً مهماً كحزب البعث لم ينجح في مد جسور تفاهم بسيط بين سورية والعراق على الرغم من أن الحزب نفسه، بأفكاره نفسها، وطقوسه نفسها، في البلدين اللذين كانا من أشد الخصوم تحت حكم الحزب..

أذكر ذات مرة، في التسعينيات كنت قادماً من إيطاليا على الطائرة الأردنية. وصلنا مطار دمشق ليلاً، فطلب الكابتن من ركاب دمشق النزول من الطائرة، وأن يبقى ركاب الأردن في مقاعدهم. فجأة يصرخ أحد المسافرين بلهجته العراقية: « آني بالشام، يا الله .. والله ما أصدِّق آني بالشام ..  يا الله آني بالشام، يا ناس ما أصدِّق .. ما أصدِّق »، وأخذ ينظر من النافذة ليلاً ليرى الشام.. الفردوس المفقود ..

فرقتنا الأيديولوجيا والنظريات … ووحّدنا الفن. اليوم وأنت تشاهد الدراما على شاشة التلفزيون ترى في العائلة الواحدة الأب يتكلم مصري والأم لبناني والابن سوري والأخت خليجي. لم يشهر أحدهم جواز سفر لكي يدخل إلى «عائلته» باعتباره فرداً منها ..

ثم هناك الأغاني التي ترددها ملايين العرب، « من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر .. ومن ربا الجزائر »، تجمعهم الأغنية يوم فشلت الإيديولوجيا والسياسة. أما برامج المسابقات والترفيه الأخرى ( من سيربح المليون وغيره ) فتجد فيه الجزائري إلى جانب المغربي ( دون صراع حول الصحراء المغربية ) وتجد اللبناني إلى جانب السوري والعراقي واليمني .. كذلك في برامج المسابقات .. يجتمع العرب ويتكلمون لغة واحدة بلهجات مختلفة .. دون تأشيرة.

أما على مستوى الثقافة فأنت تقرأ الكتاب نفسه دون أن تلاحظ هل هو مطبوع في المغرب أم في الكويت. لقد انتصرت الثقافة والفن على الايديولوجيا والسياسة .. انتصرت دون تنظيم ، لأنها ارتكزت إلى ما يجمع العرب لا إلى ما يفرقهم ..

كنت دائماً أرى أن ما سوف يوحّد العرب ثقافتهم الراسخة عبر اللغة والنفسية العامة. إنها واحدة من أهم الثقافات وأغناها، أما الفن فهو في النهاية ابن الثقافة .

mahdidakhlala@gmail.com