مَن وراء هجوم كروكوس الدموي في موسكو؟
سمر سامي السمارة
في الثاني والعشرين من شهر آذار الحالي، كانت موسكو على موعد مع الهجوم الإرهابي الأكثر دموية على قاعة كروكوس للحفلات شمال غرب موسكو، حيث دخل أربعة إرهابيين وفتحوا النار على مَن بداخلها، ثم ألقوا متفجّرات أدّت إلى إشعال حريق ضخم غطى مساحة تصل إلى 12900 متر مربع حسب وكالة أنباء إنترفاكس الروسية، وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 143، وإصابة نحو 180 شخصاً، وهو رقم مرشّح للارتفاع مع وجود حالات حرجة كثيرة.
في الواقع، ترك الهجوم روسيا والعالم في حالة صدمة، فعلى الرغم من الحرب التي يدعمها حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، ظلت البلاد آمنة إلى حد كبير من مثل هذه الهجمات، حيث نجح جهاز الأمن الفيدرالي وغيره من الأجهزة ذات الصلة في منع مئات المحاولات المماثلة على مر السنين، ما يؤكد أن الهجوم الإرهابي الأخير يشتمل بالتأكيد على عناصر لا تتسق مع النمط المعهود.
ومع ذلك، قامت الأجهزة الروسية على الفور بتوقيف 11 شخصاً بمن فيهم الإرهابيون الأربعة الضالعون مباشرة في الهجوم، ومنعت بعضهم من الوصول إلى الحدود مع أوكرانيا، حيث أفاد جهاز الأمن الاتحادي الروسي بأن منفذي الهجوم كانوا على اتصال مع أشخاص على الجانب الأوكراني.
ومن المستغرب أن يختار الإرهابيون مغادرة روسيا بهذه الطريقة، وخاصة أنه من المستحيل فعلياً عبور الحدود بين البلدين بسبب الحرب المستمرة، وبالتالي، يبدو تورّط المجلس العسكري النازي الجديد واضحاً.
ومع ذلك، الأدلّة على هذا التورّط لا تتوقف عند هذا الحد، فالفرحة العارمة التي أظهرها كبار المسؤولين في نظام كييف بعد الهجوم الإرهابي على قاعة مدينة كروكوس ليست مزعجة فحسب، بل تجعلهم المشتبه بهم الرئيسيين في التحقيق الجاري بشأن تنظيم الهجوم.
وفي مقطع فيديو نشره موقع “زفيزدا الإخباري”، أظهر أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني المُقال مؤخراً، أوليكسي دانيلوف، شخصيته المضطربة والبغيضة، فهو لم يمتدح الهجوم الإرهابي فحسب، بل سخر علانية من الضحايا وروسيا كلها، ما يدلّ مرة أخرى على أن رُهاب روسيا هو الذي يسيطر على أفكار المسؤولين الأوكرانيين ويجعلهم يذهبون بهذا الاتجاه، حيث شعروا بالنشوة لمجرّد أن الحدث كان فيه ضحايا روس.
خلال مقطع الفيديو الذي تم نشره، قال دانيلوف: “هل تستمتع في موسكو اليوم؟ أعتقد أن الأمر ممتع للغاية، أودّ أن أصدّق أننا سنرتب لهم مثل هذه المتعة في كثير من الأحيان”. وبعبارة أخرى، بصرف النظر عن الدعم المفتوح للإرهابيين، فقد هدّد فعلياً بالترتيب لمزيد من مثل هذه الهجمات.
من المؤكد، أن مثل هذه التصريحات ليست خارجة عن المألوف بالنسبة لنظام كييف، فقد أبدى مستشار رئيس مكتب رئيس أوكرانيا سابقاً أليكسي أريستوفيتش، إعجابه علناً بتنظيم الدولة الإسلامية والطرق المنحرفة التي يلجأ إليها. والأكثر من ذلك، أن تصريحاته هذه سبقت العملية العسكرية الخاصة، ما يعني أنه لم يكن ردّ فعل عاطفياً تجاهها، بل قناعة احتفظ بها أريستوفيتش لسنوات.
وفي حين أن الإرهابيين استوحوا الهجوم في قاعة مدينة كروكوس بشكل واضح من تنظيم الدولة الإسلامية، فإن الاستنتاج بأن هذا كل ما في الأمر سيكون أمراً ساذجاً، على أقل تقدير، فقد أصدر المجلس العسكري النازي الجديد رسمياً بياناتٍ تتناقض مع حالة المتعة التي أظهرها كبار مسؤوليه، حتى إنهم لم ينفوا تورّطهم فحسب، بل اتهموا روسيا أيضاً باستخدام “علم زائف”.
وفي بيان لصحيفة “أوكرينسكا برافدا” الأوكرانية، بعد دقائق من التقارير الأولية حول الهجوم الإرهابي على قاعة مدينة كروكوس، ادّعى المتحدث باسم المخابرات العسكرية لنظام كييف أندريه يوسوف، أن الهجوم كان “استفزازاً مخطّطاً ومتعمّداً من الأجهزة الخاصة الروسية، وبناء على أوامر من الرئيس الروسي نفسه”. وجاءت اتهامات يوسوف في وقت أعلن فيه تنظيم “داعش خراسان” مسؤوليته عن الهجوم، في حين لم تصدر الحكومة الروسية أيّ بيانات رسمية بعد، حيث يبدو الأمر كما لو أن يوسوف كان يحاول تحويل المسؤولية بشكل استباقي عن الهجوم الإرهابي.
ومع ذلك، يؤكد مراقبون عن كثب، أن موسكو ليست مضطرّة للجوء إلى استخدام “العلم الزائف”، فقد أظهرت الانتخابات الرئاسية وحدة الشعب الروسي، التي عزّزها عدوان حلف شمال الأطلسي الزاحف ضد بلاده، وبالتالي، فإن هذا الهجوم الإرهابي لن يحقق شيئاً لم تحقّقه روسيا بالفعل.
وسيستفيد المجلس العسكري النازي الجديد وأسياده في الغرب السياسي من كل هذه الادّعاءات، من خلال الإصرار على أن الخدمات الروسية “غير كفؤة” حسب زعمه، وبالتالي تقويض سمعتها، بالإضافة إلى محاولة أعداء موسكو الاستفادة من إثارة واستغلال وجود الأقليات المختلفة، على الرغم من إظهار الأقليات دعماً ساحقاً لبلادهم.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك أيضاً بعدٌ جيوسياسي لهذه المزاعم، حيث أظهرت معظم الدول ذات الأغلبية المسلمة في جميع أنحاء العالم دعمها الكامل لموسكو، ما يعني أن أي صراع داخلي على أسس دينية في روسيا لن يدعم هذه المزاعم.
من ناحية أخرى، لا يخفى على أحد من يتحكّم بتصرّفات نظام كييف، الأمر الذي قد يؤدّي إلى الجزء الأكثر أهمية في اللغز، وهو تورّط الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في الهجوم، فقد دعت السفارة الأمريكية في موسكو قبل أسبوعين فقط من الهجوم الإرهابي على قاعة مدينة كروكوس المواطنين الأمريكيين في روسيا إلى تجنّب التجمعات العامة، ومع ذلك، تستمرّ الولايات المتحدة بنفاقها من خلال تقديم تعازيها في حين أنها، على أقل تقدير، كانت تعلم أن هجوماً سيقع قريباً، لكنها اختارت عدم تحذير الجانب الروسي، وهذا بالتالي يثير التساؤل حول مدى معرفة واشنطن بذلك، ما يعني ضمناً أنها كانت متورّطة بالفعل.
ذكر موقع “ساوث فرونت”، أنه نقلاً عن معلومات مسرّبة، تم تجنيد الإرهابيين الأربعة من رجل يُدعى سالمون خراساني، المعروف بصلاته الوثيقة بكل من وكالة الاستخبارات المركزية وتنظيم الدولة الإسلامية في آسيا الوسطى، وتعاون الاستخبارات الأمريكية ومختلف المنظمات الإرهابية المتطرفة حقيقة يعترف بها علناً كبار المسؤولين الأمريكيين، حيث تم توثيق علاقاتهم بشكل كبير لعقود من الزمن، وعملت واشنطن بشكل علني مع المتطرّفين لزعزعة استقرار الاتحاد السوفييتي وروسيا لاحقاً، ويأخذنا هذا إلى الذكرى السنوية الثانية للعملية العسكرية الخاصة عندما قالت فيكتوريا نولاند عرابة الحرب من المحافظين الجدد: إن ما يسمّى “المساعدة العسكرية” التي تقدّمها الولايات المتحدة للمجلس العسكري النازي الجديد ستضمن مواجهة “بوتين بعض المفاجآت السيئة في ساحة المعركة هذا العام”.
تظهر مثل هذه التصريحات أن واشنطن العاصمة شنّت فعلياً حرباً شاملة ضد موسكو، والسبب وراء كون مصطلح “الحرب الشاملة” هو الأكثر ملاءمة، أنه يتضمّن عدداً كبيراً من الأدوات المستخدمة ضد روسيا، بما في ذلك العمليات النفسية العميقة التي من المفترض أن تشكّل السرد.
يرى مراقبون، أنها مسألة وقت فقط قبل أن يطلق الغرب السياسي حملته الدعائية الخاصة بأن موسكو أجرت “علماً زائفاً”، وهذا يحقق هدفين مهمّين على الأقل، أولاً، يُظهر أن الولايات المتحدة يمكنها “التنبّؤ بالأحداث”، والحقيقة أنها هي التي هندستها بالفعل، وثانياً، يخلق الوهم بأن روسيا تريد بدء صراع أوسع نطاقاً باستخدام “العلم الزائف” المذكور.
ومع ذلك، ما ينساه الكثيرون هو أن الغرب السياسي الذي تقوده الولايات المتحدة لديه ميول دائمة للتضليل، وخاصة من خلال وسائل الإعلام مثل الأفلام والمسلسلات التلفزيونية وألعاب الفيديو، وكلها طرق فعّالة للغاية للتأثير في الجماهير والرأي العام.
من الواضح أن المخططين الاستراتيجيين في حلف شمال الأطلسي كان لديهم ميل إلى إسقاط الأحداث من خلال وسائل الإعلام قبل سنوات أو عقود من الزمن.
فبالعودة إلى عام 2019، تمّت إعادة تشغيل نظام الحرب الحديثة المعادية للروس بشكل علني خصيصاً لتشويه صورة الروس، ولتحقيق هذه الغاية، ألصقت جرائم الحرب الأمريكية بروسيا، على وجه التحديد، مجزرة ما يسمّى “طريق الموت السريع”، وهي جريمة حرب أمريكية ارتكبت في العراق خلال حرب الخليج الأولى وقدّمتها بلا خجل على أنها “جريمة حرب روسية خيالية في سورية”.
تجدر الإشارة إلى أن الجزء الأول من إعادة التشغيل تم إصداره في عام 2019، أي قبل ثلاث سنوات من بدء العملية العسكرية الخاصة، وفي كلتا الحالتين، من الواضح تماماً أن نهاية لعبة الغرب السياسي لا تتمثل في تجريد الشعب الروسي من إنسانيته وتصنيع الكراهية تجاهه من خلال وسائل الإعلام فحسب، بل تتمثل أيضاً في تشكيل السرد والرأي العام من خلال أحداث مخطّط لها مسبقاً، غالباً قبل سنوات أو عقود.