ثقافةصحيفة البعث

“صدفة” تحتفي بيوم المسرح العالمي

حلب- غالية خوجة

يظل للستارة حضورها مع “أبو الفنون” في سورية، ويظلّ للمنصة واقعها واحتمالاتها، ومن وراء الستارة، ما يزال المسرح يحتفل بيومه في أرجاء العالم كلها، مضيئاً على التجارب الإنسانية بفنية عميقة، ومن العروض التي أقيمت احتفالاً بهذه المناسبة مسرحية “صدفة” بيوم المسرح العالمي التي عرضت برعاية الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة، مديرية المسارح الموسيقا، مسرح حلب القومي،على مسرح نقابة الفنانين بحلب.

سيكولوجية الهرب المصادف للهرب

يبدو أن المخرج معتز سيجري اختار لعرضه المسرحي أن يكون ضمن مسرح الواقعية وتعابيرها المختلفة التي يعيشها الواقع العربي عموماً، والسوري والحلبي خصوصاً، من خلال شخصيتيّ العرض اللتين أدتهما كل من ضياء علي وسعد الآغى، منطلقاً من محاور سيكولوجية عدة مثل الخوف والهروب وما ينتج عن ذلك من طاقة سلبية تصل إلى حضور فكرة الانتحار، واجتماعية مثل المعاناة مع درامية الحياة من مسؤوليات يومية ضاغطة يرافقها فقدان الخدمات الحياتية مثل الكهرباء والمازوت، وما يتداخل مع هذه المعاناة من انتقاد للبيئة المحيطة ومثالها الأولاد تملأ الشوارع، والإنسان يحتاج إلى زواج صالح لينجب أبناء متعلمين مثقفين.

واعتمد العرض على سينوغرافيا بسيطة وملائمة، لكنها لم تكن متحركة إلاّ من خلال الإضاءة والموسيقا، مع استطالة في إيقاعات العرض نتجت عن بطء ما، قد يكون في الفكرة، أو تكرار بعض الحركات، وجاء الحوار المونولوغي والديالوغي بلهجة محلية “بيضاء”، لكنها راقية كما أكد الجمهور الذين استطلعت “البعث” آراءهم، وكان هناك منهم من يفضّل أن تكون باللغة العربية الفصحى، خصوصاً، في احتفالية يوم المسرح العالمي، لكن الملفت هو المشهد الراقص الاستعراضي الذي اختزل كثيراً من الحوارات عائداً بالشخصيتين إلى الحياة.

وعن هذه التفاصيل أجابني المخرج معتز سيجري: “أفترض المكان كواقعي بين شجرة وكرسي وإطلالة، واعتمدت على الحوار الواقعي المعاش الداخلي والخارجي، وحسب رؤيتي النكتة المسرحية أقرب إلى اللهجة العامية، كما أن المسرحية حكاية واقعية تخاطب عامة الناس، وتركّز على الهروب من المآسي لا الموت، بأسلوب توصيلي درامي مطعّم بالكوميدي، وأتمنى أن أكون قد قدمت عملاً يلامس هموم الناس وعواطفهم”.

لكن ماذا عن الفقرة الغنائية الأخيرة في الخاتمة ولماذا باللهجة المصرية؟ وعن أي نص تمّ اقتباسها؟ أجابني: “إنها فقرة فنية مجرد تحية للجمهور، أمّا الاقتباس فهو عبارة عن فكرة أحبّ أن يقدمها وليد العاقل كما أخبرني”.

بدوره، قال محمد مروان إدلبي: “المسرحية نتجت عن محبة العمل الذي خرج بغضون شهر، والممثلان أول مرة يؤديان دور البطولة، فاقتحما بقوة، وكمتعاون فني، ساهمت في الرؤية البصرية بين صوت وإضاءة ومختارات موسيقية، وكان الموضوع عن الصدفة التي اكتملت برقصة تعبيرية كمشهد بلغة الجسد”.

وأضاف: “المسرح في هذه الفترة، بعد الأزمة، يحتاج إلى جمهور لا يدفع ثمن التذكرة لمسرح تجاري بلا أفكار، بل أن يحضر مجاناً لمسرح مثل المسرح القومي الذي يجذب الجمهور المتنوع بطريقة متوازنة”.

وجهان معبّران ووقت مستطيل

ورأت المخرجة غنوة حيدري أن المسرحية تطرح قضية اجتماعية، والجميل هو التواصل مع الممثلين وهو ما كان واضحاً في العلاقة المتناغمة بأدائهما، ولا سيما ملامح الوجه، والسينوغرافيا والتكّات الموسيقية الأقرب إلى المكان مع أصوات البيئة الخارجية مثل صوت الصرصار البري، والرقصة التي أضافت فقرة بشكل يوازي العمل ككل، كما أنها كانت عملاً كوميدياً بلا ألفاظ نابية”.

أمّا الفنانة راميا عتقي فأكدت التوزيع المناسب للكتل والجسد والأفكار.

ومن الحضور قال الصديقان محمد ـ طالب طب، وطارق ـ ممرض يهوى التمثيل: “أعجبني تعبير وجوه الممثلين، لكن، المشاهد عانت استطالة في الوقت، ولم يكن الديكور مناسباً لجميع المشاهد”.

بينما أجاب الصديقان عمر يسوف ـ مهنته خياط، وبراء حسون ـ طالب: “المسرحية حلوة لأن فكرتها تلامس واقعنا، وكان التمثيل جميلاً”.

وشعر باسل خليل ـ مهندس ـ بأن جوهر المسرحية قائم على فكرة الخوف المرضي من الوجود والموت والحياة سواء للفتاة التي تخاف حتى من كونها بنتاً، وللشاب الذي يختصر فكرة الرجولة بإنجاب أولاد لا يرميهم للشارع، بل يكون قادراً على تعليمهم وبنائهم”.

بينما لاحظت فاتن داديخي ـ طبيبة أسنان ـ كيف كانت حركة الممثلين معبّرة، والرقصة الأخيرة مناسبة، وأضافت: “كان الأفضل لو تمّ اختصار الحوار والمشاهد والوقت”.

المسرح بحاجة بشر يقظين

وبالصدفة، التقيت الكاتب والمسرحي محمد أبو معتوق في شارع ما، وعبّر عن رأيه باليوم العالمي للمسرح: “أقترح ابتكار تسمية جديدة مناسبة لنعي المسرح بشكل عام لأنه يحتاج إلى بشر يقظين منفتحين على مسرح الحياة الكبير، ولديهم قدرات فائقة على استشراف الجميل والجليل، كما أن المؤسسات تحتضن الباحثين عن الشهرة لا الباحثين عن الإبداع، بالإضافة إلى أن المخرجين بشكل عام لا يقرؤون، وهذا يدفعهم إلى البحث عن ثقافة أقل وإبداع أقل”.