ثقافةصحيفة البعث

“عزّك يا شام”.. حبكة بسيطة وحكايات متصلة ـ منفصلة

ملده شويكاني 

في مسلسل “عزّك يا شام” فسحة للراحة من زخم الأعمال الاجتماعية المكتظة بخطوط درامية متشابكة، تكثر فيها نوازع الشر والعنف والجريمة، ولاسيما أن العمل ينتمي إلى نمط المتصل- المنفصل، فيتابعه المشاهد بمتعة بعيداً عن الربط والتحليل والتأويل للأحداث المتصاعدة في بقية الأعمال، كما أنه لا يتطلّب الالتزام بوقت العرض، كونه حلقات منفصلة، كل حلقة ذات وحدة صغيرة متكاملة بموضوع مختلف، وهو مبنيّ على حبكة بسيطة بإطار شائق للصورة البصرية للبيئة الشامية والحارة والبيت الدمشقي خلال فترة أربعينيات القرن الماضي.

كتب سيناريو العمل الثنائي نادين خليل، التي عملت بالشؤون الفنية، والكاتب محمد حميرة، فكتبا من روح التراث الدمشقي والعادات التي اتصف بها الدمشقيون، وبالطقوس المتعارف عليها بإطار درامي غنيّ بالمفردات والممارسات اليومية والأزياء، والسلوكيات المتّبعة بالاجتماع بمضافة “العكيد” وتداول أمور الحارة ودور الشيخ بالبتّ بالأمر، وبدور الأنثى في البيت والحارة بشكل عام، بتوقيع المخرج رشاد كوكش الذي شارك كمخرج منفذ في أعمال درامية بقيت بالذاكرة مثل “أيام شامية” و”دكان الدنيا” و”البديل” وغيرها، كما أخرج الكثير من أعمال البيئة الشامية وأهمها “بيت جدي”، بالإضافة إلى أعمال اجتماعية كثيرة، ومنها الأعمال البسيطة التي تشدّ المشاهد إلى الحكاية، بعيداً عن نشاطه المسرحي الذي استفاد منه بتقنيات الاختزال التي ساعدته بتفاصيل النمط الدرامي المتصل- المنفصل.

وفي “عزّك يا شام” اعتمد كوكش على أداء الممثل بالدرجة الأولى، فجمع نجوم دراما البيئة الشامية، منهم وفاء موصلي وأمانة والي وسحر فوزي وصباح بركات وعلي كريم وحسام تحسين بيك ورضوان عقيلي وجمال العلي مع عدد كبير من الممثلين والممثلات، منهم حسام الشاه وعبير شمس الدين وجيني إسبر، بالإضافة إلى عدد من الوجوه الجديدة.

شخصية العكيد

تقدّم كل حلقة بممثلين جدد من أجيال مختلفة باستثناء شخصية “عكيد” الحارة التي جسّدها في كل الحلقات سعد مينه بأدائه المميز بالشخصية المتزنة، ليكون البطل الأساس بكل الحلقات، ويظهر العمل ككل محبة أهل الحارة لبعضهم والتفافهم حول شخصية “العكيد”، بدا هذا في الحلقات عامة والحلقة الخاصة التي اتُهم فيها بجريمة قتل لم يرتكبها ووصل إلى حبل المشنقة، المشهد الذي تكرّر بالدراما المصرية والسورية، لكن كوكش قدّمه بصورة مؤثرة، لتهرع في اللحظة الأخيرة -لينا حوارنة- وتظهر براءته وتدلّ على المجرم الحقيقي الذي خان أمانة معلمه الفنان رضوان عقيلي “بهجت بيك” على بيته وماله، فقتل زوجته فريدة بعد أن كشفت أمره وهو يسرق المنزل، ما شكل صدمة كبيرة لـ”بهجت بيك”.

وتطرح كل حلقة موضوعاً منفصلاً مثل حفظ الأنثى أسرار بيتها، والالتزام بصلة الأرحام، والدفاع عن المظلوم، والتكاتف الاجتماعي، وغيرها.

مفاجآت القفلة

ولا بدّ من وجود فروقات بالحلقات من حيث الموضوع والأداء والإخراج، فجاءت الحلقات متباينة، وبعضها نجح بأسلوب التورية بشدّ المشاهد إلى منحى آخر غير الحقيقة التي يفاجأ فيها بالقفلة مثل لوحة الفتاة ذات الشعر القصير التي تُطلب للزواج فتقع الأم أمانة والي “أم دلال” بورطة، وتتمكن من حلّ المشكلة بمساعدة الداية فيلدا سمور بوضع الشعر المستعار يوم العرس، وحينما تراها النساء المقربات من العريس يوم الخطبة والطلب، لكن دلال تعترف للعريس وترفض الكذب على زوجها الذي يتقبل الأمر ويثني على صدقها ومحبتها.

بكلمة أخيرة، نجح رشاد كوكش بتقديم “عزّك يا شام” بأسلوب شائق، وربما ساعدته أجواء الحارة الشامية التي شُغف بها المشاهد العربي والسوري، بدليل المتابعة الكبيرة لأعمال البيئة الشامية في القنوات المحلية والعربية ليس في هذا الموسم الدرامي فقط، إنما في كل المواسم السابقة لخصوصية هذه الأعمال المتعلقة بالتراث المادي واللامادي.