دراساتصحيفة البعث

أربعائيات.. بحكم المنطق ولا شيء غير المنطق.. حول ثقافة الحوار

مهدي دخل الله   

لا شك في أن ثقافة الحوار أضحت ضرورة من ضرورات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في سورية، وفي المجتمعات كلها. فالعصر الحديث، بتعقيداته العديدة، يطرح رؤى متعدّدة في التوجه نحو الهدف المشترك، والتفاعل التكاملي بين الآراء يؤدي إلى أفضل الحلول لمعالجة القضايا..
تكون القضايا دائماً في مركز اهتمام المتحاورين، لكن المشكلة أن هناك من يلجأ إلى تصوراته الفكرية المسبقة في محاولة التعامل مع القضايا، فيصل إلى حدّ القطيعة والتنافر مع من يشاركه في الهدف، ثم نصل إلى نوع من المهاترات والشخصنة.. وربما الشتائم.
الرفيق الأمين العام لحزبنا أكد، في لقائه الشهير باللجنة المركزية، أن ما نحتاجه هو فكر القضايا، بمعنى أن تكون القضية موضوع البحث هي الأساس والمعيار، لا المعتقدات الفكرية المسبقة.. ولقد حاولت في مقالتي بعنوان “فكر القضايا.. لا قضايا الفكر” (19/12/2023) البحث في الفرق بين قضايا الفكر، وفكر القضايا، في جهد متواضع للمشاركة في هذا الموضوع الهام…
باختصار، المشكلة هي في الخلط بين مسألتين: محتوى الفكر وآليات الفكر. المحتوى معناه ما لدى الشخص من تصورات مسبقة تكاد أن تصل إلى حدّ الدوغما المطلقة، أما الآليات فهي استخدام المنطق والمنهج النقدي الباحث عن جوهر القضية (يقول ابن رشد إن المقولة هي معنى الجوهر). ودائماً يكون الخلاف في المحتوى على الرغم من أن الآليات واحدة.
كي ينجح الحوار، من المهم أن تكون القضية مركز الاهتمام لا التصورات الفكرية المسبقة، ذلك لأن القضية ابنة الواقع، أي أنها في تغير دائم، أما التصورات المسبقة الثابتة فغالباً ما تفشل في ملاحقة التغيير الذي هو السمة الأساسية للواقع بكل جوانبه.
وإذا استخدمنا فكر القضايا في الحوار سنلتقي حتماً، لأن المعيار واحد وهو جوهر القضية المطروحة. وهذا يقود المتحاورين آلياً إلى احترام الرأي الآخر، ذلك لأن القضية المطروحة هي المعيار وليس التصورات المسبقة عنها، وأيضاً لأن هدف المتحاورين مشترك واهتمامهم ينصبّ على أفضل الحلول..
سمة الحوار التكامل في الآراء أمام الهدف المشترك. المشكلة أنه في كثير من الأحيان نستخدم القضية لنثبت تصوراتنا المسبقة، بدل أن نستخدم الآليات الفكرية لبحث القضية بحثاً موضوعياً. وهذا الضياع الفكري ليس مقصوراً على الآخر، وإنما أنا مصاب به أيضاً.. للأسف.

mahdidakhlala@gmail.com