خسارة “الفتوة”
علي بلال قاسم
لا يختلف اثنان على أن المسبب الرئيسي للتفكير بالسفر هو الأزمة الاقتصادية وجنوح معظم الفئات الاجتماعية، وعلى رأسها الشباب، لتحسين المستوى المعيشي وتأمين مدخول أفضل من ذاك الذي لا يكفي أياما، وهنا مركز الخطر، فنسبة الهجرة هي الأعلى بين الشرائح العمرية الشابة، لدرجة بات المراقبين يحذرون من تحول سورية من دولة فتية إلى العكس، ولاسيما في ظل خسارة أصحاب الكفاءات من فئة الشباب الذكور، خاصة الجامعيين، وهم أكثر الفئات المعنية بالهجرة والساعية لها.
وإذا كانت دول أوربية بعينها هي “الحلم”، إذا استطاع الحالمون إليه سبيلا، بسبب التكاليف الباهظة والشروط والإجراءات التي تفرضها الدول على المهاجرين، فإن ثمة بدائل وحلولا قريبة جداً تشكل فرصا لذوي الإمكانيات المتوسطة هي دول الجوار.
ومع أنه لا يوجد عدد دقيق للسوريين المهاجرين، فإن هناك مخاوف مشروعة لدى المنظرين الاقتصاديين بأن نسبة الشباب انخفضت بشكل كبير بعد أن كانت تتجاوز 60% من مجمل السكان، في وقت ترتفع الدعوات لإيجاد حلول تحد من الظاهرة الخطيرة على بنية المجتمع ومستقبل البلاد من حيث الإنتاج وأيدي الإعمار.
من الأولوية بمكان التأكيد بأن تصدير الكفاءات والقوة البشرية يزيد من ضعف الحالة الاقتصادية ويجعل سبل المعالجة والنهوض أصعب بكثير لغياب الطاقة البشرية الفاعلة والمعول عليها في أزمان البناء والإنتاج، وعليه فإن سوء التخطيط في إدارة الموارد البشرية هو السبب الأول في دفع الكوادر والكفاءات الشابة والخبيرة إلى الهجرة القريبة أو البعيدة.
ندرك أن السفر وتحسين المستوى المعيشي حق، لكن هناك مسؤولية تقع على عاتق الجهات الحكومية والأهلية معاً لجهة تحسين الواقع وتأمين ظروف مشجعة للبقاء والعمل والإنتاج في سورية، والمطلوب بيئة أحسن مما هي عليه ولو بحدود تزيد من الآمال وليس العكس، فحتى مع محاولات الحكومة لتحسين الواقع المعيشي وضخ الرسائل الإيجابية بخطوات وإجراءات وقرارات، يصر غالبية من يسافر إلى تأمين مستقبل جيد له ولأسرته التي بذلت كل ما باستطاعتها لتأمين فاتورة السفر من سيارة اشترتها قبل الحرب، والقليل من المصاغ الذهبي المخبأ لأسوأ الأيام، أو منزل اشتروه بالتقسيط أو ورثوه، أو فلاح باع بعضاً من قطيعه أو قطعة أرض كفيلة بتسفير الولد الباحث عن حلم لا ضمانات واضحة لتحقيقه.