أخبارصحيفة البعث

العلاقات الصينية الأمريكية.. المنافسة الخاسرة غير مرغوب فيها

عناية ناصر

تعدّ العلاقات الصينية الأمريكية واحدة من أكثر الموضوعات سخونة، وفي هذا الخصوص دعا الخبراء الذين حضروا المنتدى الدولي السادس للأمن والاستراتيجية الذي عقده مركز “الأمن الدولي والاستراتيجية” بجامعة تسينغهوا، وحمل عنوان “السعي إلى التوافق وبناء الاستقرار”، إلى التركيز على التعاون بدلاً من السماح للمنافسة بقيادة العلاقات الثنائية بأكملها، وتحقيق استقرار التوترات من خلال تعزيز الاتصالات والتبادلات بين شعبي الدوليتين، كما تمّت مناقشة القضايا الساخنة في جميع أنحاء العالم من كبار المسؤولين السابقين والدبلوماسيين والباحثين الذين حضروا المنتدى من الصين والولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة والهند وكوريا الجنوبية ودول أخرى، وكذلك الأزمة الأوكرانية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث أعرب الخبراء عن أملهم في أن تلعب الصين دوراً خاصاً في المساهمة في الحل السياسي للأزمات ذات الصلة.

تحدّث دا وي، مدير “الأمن الدولي والاستراتيجية” والأستاذ في قسم العلاقات الدولية بجامعة تسينغهوا، عن أن المشكلة في العلاقات الصينية الأمريكية في الوقت الحاضر هي أن بيئة الرأي العام في الولايات المتحدة قد تسمّمت بسبب بعض السياسيين ووسائل الإعلام الأمريكية الذين يبالغون في العداء ضد الصين، وهذا يمكن أن يؤدّي إلى اتخاذ قرارات خاطئة. والقضية الرئيسية هنا هي أنه إذا سلكت الصين هذا الاتجاه الخاطئ لتسميم بيئة الرأي العام الأمريكي من خلال تضخيم العداء الشديد ضد الولايات المتحدة، فإن ذلك سيؤدّي أيضاً إلى اتخاذ قرارات خاطئة من جانب الصين. إن السياسة التي تنتهجها الصين فيما يتصل بتشكيل بيئة الرأي العام لابدّ أن تتفوّق على السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة اتخذت إجراءاتٍ لإيذاء الصين، إلا أن هذه الإجراءات جاءت بنتائج عكسية في عدة مناسبات، ليتبين في النهاية أن الأعمال العدائية الأمريكية يمكن أن يكون لها بعض التأثير في الصين، لكن التأثير محدود، والصين أيضاً غير قادرة على إلحاق الضرر بالولايات المتحدة بشكل كبير أيضاً. وإذا تم السماح للعداء والمواجهة بالسيطرة على عملية صنع السياسات لدى الصين، فسوف تركّز فقط على الانتقام.

واعتبر دا وي أن الانتقام ضروري ومعقول عند التعرّض للأذى من الآخرين، ولكن السياسات المحلية التي تنتهجها الصين فيما يتصل بالإبداع والتكنولوجيات المتطوّرة أكثر أهمية من الانتقام من الولايات المتحدة. ولا يمكن للانتقام أن يحل مشكلات محدّدة في هذه المجالات.

ورأى دا وي أن خطر تسميم بيئة الرأي العام يتجاوز مجرد دفع القوتين العظميين نحو الصراع، كما أنها تنطوي على إغلاق الباب أمام السوق المفتوحة للتعاون والمنافسة الدوليين، وأن المزايا التي تتمتع بها الصين في العديد من المجالات، مثل السيارات الكهربائية، هي نتيجة الانفتاح والمنافسة مع الشركات التي تمتلك تكنولوجيا متقدمة من بلدان أخرى. وعندما تكون الولايات المتحدة معادية للشركات الصينية الملتزمة بالقانون في الولايات المتحدة، فلا ينبغي الانتقام بالمثل.

ومن جهتها، رأت  سوزان أ. ثورنتون، وهي دبلوماسية أمريكية كبيرة سابقة ومديرة مشروع منتدى أمن آسيا والمحيط الهادئ في اللجنة الوطنية للسياسة الخارجية الأمريكية، أن المنافسة بين الدول ليست طريقة جيدة لوصف كيفية التواصل مع بعضنا. وهناك خطر في هذا من أننا ننخرط في أنواع مختلفة من المنافسة. هناك منافسة رياضية عندما يفوز شخص ما ويخسر شخص آخر. نأمل من خلال المنافسة أن نتمكّن من الانخراط في مجالات مثل تغيّر المناخ، وسيكون ذلك أمراً جيداً، لكن المنافسة لا ينبغي أن تفرّق الصين والولايات المتحدة.

ونوّهت ثورنتون إلى أن التنافس كان على بعض تقنيات الطاقة الجديدة التي ستكون قادرة على استبدال الوقود الأحفوري ونشرها على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم والتي تساعد على حل مشكلة انبعاثات الكربون بسرعة كبيرة، وهذا سيكون أمراً جيداً. وعلى سبيل المثال، في مجالات التكنولوجيا الحيوية، التي أصبحت معولمة تماماً ومتكاملة بين العلماء من جميع البلدان المختلفة، ومن خلال النظر في الأبحاث العلمية عن الاكتشافات البيولوجية والطبية الجديدة، فسنجد أنها مكتوبة من خبراء من حوالي 10 دول مختلفة، وفي أغلب الأحيان من الولايات المتحدة والصين. وإذا دخلنا في حالة المنافسة الخاسرة فسوف نفقد الكثير من المنتجات التي نحتاج إليها لمعالجة بعض أكبر التحدّيات.

من جهته، أشار سكوت كينيدي، كبير المستشارين ورئيس أمناء إدارة الأعمال والاقتصاد الصيني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن السبب وراء الحاجة إلى السفر والتنقل بين الصين والولايات المتحدة، هو من أجل زيادة التفاهم والتعاون المتبادل. فهناك تحدّيات عالمية يجب أن تتم مواجهتها من الصين والولايات المتحدة، ومن المؤكد أن هناك إمكانية كبيرة لتحقيق الفوز للجميع في العديد من المجالات، كما أن هناك حاجة إلى تحسين التواصل لأن هناك الكثير من الاختلافات، فهنالك مصالح مختلفة، وأنظمة اجتماعية وسياسية مختلفة. إن الجلوس على بعد 8000 ميل والنظر إلى الصين من خلال شاشة الكمبيوتر ليس طريقة للتعرف على الصين، كما أنه ليس طريقة بالنسبة للصينيين للجلوس في مكان ما في الصين للنظر إلى الولايات المتحدة.

وطالب كينيدي أن يذهب الأعضاء الأكثر تشدّداً في الكونغرس الأمريكي إلى الصين، وأن يذهب الأعضاء الأكثر تشدّداً في السلطات الصينية المعنية إلى الولايات المتحدة، فهؤلاء هم الأشخاص الأكثر تشاؤماً والأكثر قلقاً بشأن العلاقة، وهؤلاء هم الأشخاص الذين يحتاجون بالفعل إلى السفر أكثر من أي شخص آخر، وأمل التمكّن من استعادة الاتصال حتى يكون هناك جميع أنواع الأشخاص الذين يسافرون في كلا الاتجاهين، وإجراء المحادثات التي هناك حاجة إلى إجرائها.

أما ريتشارد ساكوا، أستاذ السياسة الروسية والأوروبية في كلية السياسة والعلاقات الدولية بجامعة كينت في المملكة المتحدة، فقد عدّ مشاركة الصين مهمة للوساطة في أزمة أوكرانيا. فأوّلاً، أصدرت الصين “خطة السلام المكوّنة من 12 نقطة” التي تحمل رسمياً “موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية” منذ وقت طويل. ومن الواضح أنها لم تكن خطة سلام مفصّلة، لكنها كانت مهمّة للغاية لأنها كانت بيان مبدأ، وكان ذلك مهمّاً للأطراف المعنية.

ثانياً، تبحث الصين أيضاً عن وسيلة للوساطة، وبالطبع يعلم الجميع كيف تمكّنت الصين من التوسط بين السعودية وإيران. لذا، فيما يخص الصراع الروسي الأوكراني، يمكن أيضاً أن تكون الصين موضع ثقة من كلا الجانبين.

النقطة الثالثة أكثر تعقيداً إلى حدّ ما، وهي أن القوى الغربية لا تقبل وساطة الصين واتهمتها بأنها موالية لروسيا، والغرب حريص جداً على شق “الاصطفاف الروسي الصيني”، وسيبذل كل ما في وسعه لتسميم العلاقة بين موسكو وبكين.

ومع ذلك، رأى ساكوا أن “الاصطفاف الروسي الصيني” هو أحد المحاور الأساسية للسياسة الدولية وهو محور ليس مهماً جداً فحسب، بل ضروري أيضاً، وربما لن يحظى هذا بشعبية كبيرة في وجهات النظر الغربية، لكنه ضروري للغاية.

وأشار ساكوا إلى أنه يمكن أن تحقق روسيا اختراقاً عسكرياً هائلاً في الأشهر المقبلة، وتشعر الدول الأوروبية بالقلق وتتوقّع هزيمة أوكرانيا.

وختاماً قال ساكوا: إن هذه الحرب هي حرب أوروبية، وكان ينبغي لأوروبا أن تتجنّبها في المقام الأول، لذا يمكن القول: إن هذه حرب صنعت في واشنطن، ورعتها كييف. والمأساة هي أنه لا يمكن رؤية أوروبا في أي مكان، ونأمل أن تتمكّن الصين من إنهائها.