الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

حكْي في الرّاهن

عبد الكريم النّاعم 

قال: “البعض يرى أنّ قصف مبنى القنصلية الإيرانيّة في دمشق، لا يعبّر عن ارتياح إسرائيل، ولا أمريكا، في المواجهة”.

أجابه: “من المُتداول أنّ إسرائيل أعلمت أمريكا بذلك، وثمّة مَن يرى أنّهما تواجهان استعصاء في غزّة، فلو استطاعوا حسم أمر المواجهة، لما تردّدوا لحظة واحدة”.

قاطعه: “هل تظنّ أنّهم يريدون توسيع رُقعة المعركة؟”.

أجابه: “تلّ أبيب تتمنّى ذلك، وربّما قدّرت أنّه قد يشكّل مخرَجاً لها، وفي هذا من الاحتمالات ما يضرّ المصالح الأمريكيّة”.

قاطعه: “إذاً.. ما هو الهدف؟!”.

أجابه: “يصعب تحديد مضمرات العدو، لكنْ ثمّة تخمينات، قد لا تكون بعيدة عن بعض الحقيقة.. أنت تعلم أنّ ثمّة أهدافاً نفسيّة في أي حرب، وربما كانت أهمّ، من حيث النتيجة، من كسب التقدّم في المواقع، ومَن ينهزم نفسيّاً لا مناص له من الانكسار والتسليم للعدو بما يريد، وواشنطن تعرف حجم دعم إيران لحلف المقاومة، وليس بعيداً أنّ هدفها هو أحداث المزيد من الجراح النفسيّة في الجسد الإيراني، وفي نفوس الحلفاء، منذ الجنرال سليماني، وهي في ذلك تستند إلى موقفها القويّ بمساندة حكومات عربيّة عديدة لها كيفما تصرّفتْ، غير آبهين بمشاعر الشعب العربي، فهو شعب ممسوك بحزم، وبقوّة أجهزة الأمن”.

قاطعه: “هل ترى أنّ واشنطن عاجزة عن لجْم إسرائيل؟”.

أجابه: “لو أرادت واشنطن ذلك فهي قادرة على إجبار تل أبيب، ولاحظْ أنّ ضرب القنصلية الإيرانية جاء مواكِباً لإنشاء الرصيف البحري على شاطئ غزّة، وواشنطن تخطّط، كما هو خيار الدول العظمى، لما هو أبعد وأوسع، فالقتال في غزّة لن يستمرّ إلى ما لا نهاية، ومهما كانت نتائجه، فإنّ واشنطن لا تنسى ولو للحظة الصين وقدراتها، وروسيا الاتّحاديّة، وهي إنْ أمسكتْ بالمنطقة العربيّة تكون قد وضعت يدها على مفتاح سحري، وهو موقع المنطقة الاستراتيجي وما فيها من مخزون طاقة، والدول الكبرى تضع عدداً من الخطط والاحتمالات، ولديها العديد من البدائل”.

قاطعه: “هل ترى أنّها ستحقّق أهدافها التي هي عين أهداف تلّ أبيب؟”.

أجابه: “ثمّة غرور القوّة، وهو غرور قاتل، تنجح أو لا تنجح، أنا لا أعرف التنجيم، لكنني أقرأ فيما تركه التاريخ، وباستقرائه يمكن أن تكون الرؤية أوسع. وأوضح، لقد ظنّ نابليون ذات يوم أنه سيكون إمبراطور العالم، وعلى خطاه سار هتلر الذي ظنّ أنّه سيكون فوهرر العالم، ثمّة فجوات، ومفاجآت في التاريخ يصعب إغلاقها، أو التنبّؤ بها، الذي يساعد واشنطن في إقدامها هذا أنّها مُطمئنّة إلى أنّ حكّاماً في المنطقة يأتمرون بأمرها، وهذا ظهير مساند لا شكّ فيه، بينما يقف على الضفّة الأخرى حلف المقاومة الذي يبتكر من ضعف الواقع قوّة تمكّنه من إحباط تلك المشاريع، وأنت تعلم أنّ ما أحدثوه في سوريّة من خراب وتدمير كان أحد أهدافه إضعاف سوريّة، ولا سيّما أنّها في منتصف ثمانينات القرن الماضي كانت دولة مكتفية من معظم ما تحتاج إليه، ولم يكن عليها أيّ ديْن، وهذا شيء خطر على المدى البعيد، لأنّه قد يُشكّل أنموذجاً يُحتذى، فكان لا بدّ من تدميره، فانظرْ إلى ما تركوه فيها من دمار في البشر والحجر والشجر”.

قاطعه: “إذاً.. المعركة أطول ممّا كنّا نظنّ؟”.

أجابه: “نحن في معركة متواصلة منذ سايكس بيكو حتى الآن، لم تتوقّف، توقّفُها كان بمثابة هدنة، وبظني أنّ المعركة ستستمرّ، بأشكال متعدّدة، وقد تكون واشنطن بصدد ترتيب شرق أوسط جديد، وأنّى كانت النتائج الآنيّة للمعركة الدائرة الآن، فإنّ التاريخ يقول إنّ المحتلّين هم الذين يرحلون لا أهل الأرض.

aaalnaem@gmail.com