عشية العيد.. “جيبة” المواطن عاجزة عن مواجهة وحش الأسعار!!
ميس بركات
بتعداد الأيام والدقائق انتظر التجار، الذبن دخلوا سباق التخفيضات والحسومات خلال شهر رمضان، حلول عيد الفطر “لتعود حليمة لعادتها القديمة”، فعلى الرغم من تأكيد بيت التجار مراراً وتكراراً أن مهرجانات التخفيضات هذه لا تؤدي لخسارة التجار بل لتقليص هامش ربحهم، إلّا أنه لا يمكن لتجارنا، كما يبدو، الصمود في هذا التحدّي لأكثر من شهر ليبقى المواطن المسؤول الأول والأخير عن دفع فاتورة الغلاء الباهظة حتى في الأعياد التي لم يعد يملك إمكانية الاحتفال بها.
بين ليلة وضحاها
ويؤكد المشهد العام على أن تخفيضات “النصف كم” لا تحقق الهدف منها، سيّما وأن المشكلة لا تكمن في ارتفاع سعر السلع وخسب، بل وفي تدني القدرة الشرائية وعدم استطاعة المواطن “مدّ سفرة رمضان بسيطة”، فكيف الحال خلال عيد الفطر وما يحتاجه من حلويات وألبسة للأطفال وغيرها من الاحتياجات “الممحية” اليوم في تفكير الغالبية العظمى من المواطنين، فتدوير الألبسة بين أفراد العائلة بات معتاداً عند الجميع، ولعلّ مشهد الأسواق خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان كان أكبر دليل فزحمة وعجقة المواطنين تشي بأن جيوبهم الممتلئة ستفرغ حمولتها في جيوب التجار وستفرغ محال الألبسة والأحذية والحلويات من سلعها، إلّا أن هذا الحال بات اليوم من المحال، فجيوب المواطنين لم تستطع محاكاة الأسعار التي تغيرت أصفارها خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان، ليؤكد الأهالي أن الكثير من الألبسة والأحذية تغيرت أسعارها بين ليلة وضحاها بمجرد اقتراب العيد.
الأضعف مبيعاً
والحجج المعتادة التي ترددت على ألسن تجار الألبسة والأحذية وغيرها من السلع على مدار السنوات السابقة، ما زالت تتكرر على مسامعنا عند التفكير بزيادة الأسواق في أي فترة خلال العام ليس فقط في مواسم الأعياد، فارتفاع كلفة الإنتاج بسبب غلاء المواد المستوردة، وعدم توافر التيار الكهربائي الرخيص اللازم للإنتاج في الورش والمصانع، وما إلى هنالك من الحلقة التي يطول سردها، جعلت موسم العام الحالي يحصل على لقب الأضعف مبيعاً منذ عشرين عاماً، خاصّة وأن كلفة تجهيز طفل للعيد من الأسواق الشعبية تصل إلى نصف مليون ليرة، فكيف الحال لأسرة لديها أكثر من طفل، بالتالي فإن تجهيز العائلة للعيد يحتاج اليوم إلى قرض الملايين، الأمر الذي أفقد الغالبية العظمى من العائلات السورية طقس التجهز للعيد، بعد أن أنفقت مدخراتها على شراء المواد الغذائية في رمضان، في حين كان الأمر مختلفا بعض الشيء لفئة قليلة من المواطنين ممن لديهم مصادر أموال خارجية (حوالات) جعلتهم يتجهون للأسواق لتجهيز احتياجات العيد بحدودها الوسطى، خاصّة وأن هذه “الحوالات” تعتبر الرمد البديل عن العمى، فهي لا تُسمن من جوع لكنها تقي الفقر والعوز.
مراقبة هامش الربح
ولم يجد الصناعي عماد قدسي أي مبرر لارتفاع الأسعار خلال فترة العيد لافتاً إلى أن البضاعة تخرج من المعامل بسعر وتُطرح في الأسواق بأسعار خيالية، فإلقاء اللوم هنا لا يكون على الصناعيين الذي يحاولون تقديم سلعة جيدة بسعر مقبول وبإمكانيات محدودة.
ويشدد قدسي على ضرورة إيجاد صيغة مناسبة ترضي التجار والمستهلك خلال فترة المواسم لكسر جمود السوق فعلاً، لا بكثرة الازدحام فقط، فتقديم عروض حقيقية في هذه الفترة مع تشديد عمل لجان الرقابة بأخذ عينات من الألبسة ومقارنتها مع بيانات التكلفة، بالتالي مراقبة هامش ربح التجار، سيلبّي حاجة المستهلك نوعاً ما، لافتاً إلى أن الركود في أسواق الألبسة جزء من الأزمة الاقتصادية العامة التي تعاني منها سورية، والتي أدّت إلى تراجع حاد في معدلات النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة وانخفاض الدخل الحقيقي للمواطنين.
تلاعب بالسعر
ويستنكر خبراء الاقتصاد كما المواطنين العروض الوهمية التي يحاول بها التجار تصيّد الزبائن بأرقام فلكية، إذ لم يعد خافياً على أحد، برأي الخبير الاقتصادي اسماعيل مهنا، أن العروض والتنزيلات التي تُعلن عنها محال الألبسة مع اقتراب العيد “وهمية”، وتستهدف البضائع القديمة الرديئة الجودة، ومع ذلك فقد وصل سعر بنطال الجينز النسائي إلى 160 ألف ليرة سوريّة في حده الأدنى، أما البنطال الرجالي فتجاوز سعره الـ 190 ألف ليرة، وتتراوح أسعار الأحذية بين 200 و300 ألف ليرة. بالتالي فإننا اليوم أمام عجز حقيقي لجهة شراء وركود وكساد يطغى على الغالبية الساحقة من المحال التجارية، ويأس الصناعيين ممن لم يعد لديهم القدرة لتصنيع سلع مآلها التخزين، كوننا خرجنا من حلبة المنافسة العالمية، الأمر الذي يحاول التجار تجاوزه برفع هامش الربح إلى حدوده العليا ليتجاوز في الكثير من الأحيان الـ 300%، حتى للبضائع ذات الجودة العادية، وتحميل المستهلك أعباء الصناعة والاستيراد والنقل وأجرة المحل.
ونوّه الخبير الاقتصادي بأن الصناعي والتاجر لا يمكن أن يعرض نفسه للخسارة، وفي حال خسارته فإغلاق مصنعه أو محله التجاري هو الحل فوراً، الأمر الذي يتطلب أن تكون الحكومة شريكا مع الصناعيين بإزالة العقبات المتعلقة بحوامل الطاقة وتخفيف أعباء الاستيراد وإعادة حركة الإنتاج، والإعفاء من جميع الرسوم للمواد الأولية، والتي تحقق قيمة مضافة بعد الانتهاء من الإنتاج.