وغزة تحت نيران الاحتلال.. عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدتَ
أمينة عباس
في كل عيد كان آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة يؤدون شعائر صلاة عيد الفطر في الساحات العامة في محافظات القطاع، أما اليوم فلسان حالهم وحالنا يردد ما سبق وردده المتنبي: “عيدٌ بأيةِ حالٍ عدتَ يا عيدُ” مع تصاعد عدوان الاحتلال على مدينة غزة المدمرة وأهلها الذين تشردوا، فمنهم من أصبح شهيداً أو جريحاً ومنهم من أصبح لاجئاً، فغابت جموع المصلين عن ساحاتها، كذلك الأطفال بلباس العيد وضحكاتهم، وقد تحولت بيوتهم التي كانت تعبق برائحة حلوى العيد إلى ركام ومقابر تفوح منها رائحة الموت والدم.
يبيّن الكاتب الفلسطيني الدكتور محمد أبو ناموس في تصريح لـ “البعث” أن الأطفال في العالم العربي، اليوم، يستقبلون العيد، أما في غزة الصمود فيموتون جوعاً ويبكون من هول ما يشاهدون من أنواع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، فالعيد في غزة يختلف عنه في كل بقاع العالم لأن أهلها، اليوم، ليس لهم خيار سوى دفن الشهداء وعيادة الجرحى والبحث عن المفقودين والحصول على لقمة من الخبز وجرعة من الماء، ومع أن عيد الفطر هذا العام يعجّ بصور ومشاهد متعددة ومتناقضة على امتداد العالم العربي، لكنّ الثابت فيه هو المسيرات في كل أرجاء المعمورة المنددة بما يقوم به العدو، بالإضافة إلى دور محور المقاومة في تقديم الدعم المعنوي والسياسي والمادي لحركة المقاومة الفلسطينية وبداية تفكك المشروع الصهيوني، ليحمل العيد في طياته بشارة النصر وتحقيق حلم الشعب الفلسطيني برفع الحصار عن غزة وفتح المعابر وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب وتبييض سجون ومعتقلات الكيان الصهيوني التي بدأت ملامح اندحاره تطلّ علينا لإيمان محمد أبو ناموس أن السابع من تشرين الأول سوف يغير وجه المنطقة والعالم.
كان العيد في فلسطين له طعم خاص، تتجدد فيه ذاكرة الأرامل وأمهات وآباء الشهداء، يقول الشاعر عمر أبو ريشة الذي عُرف بمواقفه الوطنية تجاه فلسطين: “يا عيدُ ما افترَّ ثَغرُ المَجدِ يا عيدُ، فكيف تلقاكَ بالبشر الزَّغاريدُ؟ يا عيدُ كم في رَوابي القُدسِ من كَبِدٍ لها على الرَّفرَف العُلويِّ تَعييدُ”، وفي هذا الصدد لا يمكن أن نغفل قصائد الشاعر عمر بهاء الدين الأميري، ولا سيما تلك التي يقول فيها: “أعيـدٌ سعيـدٌ! يا لها من سعـادةٍ وأوطانُنـا فيهـا الشقاءُ يزمـجـرُ، يمـرُّ علينا العيـدُ مُـرّاً مضرَّجـاً بأكبادنا والقدسُ في الأسْـرِ تصـرخُ، عسى أنْ يعـودَ العيـدُ باللهِ عـزَّةً، ونَصْـراً، ويُمْحى العارُ عنَّا ويُنْسَـخُ”.
وسجلت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان جزءاً من الذاكرة المضمَّخة بالجراح، فتقول في قصيدة بعنوان “لاجئة في العيد”: “أختاه، هذا العيد رف سناه في روح الوجود، وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر، وأراكِ ما بين الخيام قبعتِ تمثالاً شقياً متهالكاً يطوي وراء جموده ألماً عتيّا، يرنو إلى اللاشيء، منسرحاً مع الأفق البعيد.. أختاه، مالك إن نظرتِ إلى جموع العابرين ولمحتِ أسراب الصبايا من بنات المترفين أطرقتِ واجمة كأنك صورة الألم الدفين؟” وتطلب طوقان في قصيدتها من اللاجئات ألا يحلمن بالفرح حتى لا يزددن بؤساً، فعندما يغيب الأهل والوطن ولا يفعل أحد شيئاً من أجل فلسطين فإن العيد يصبح عيد الميتين والمترفين: “أختاه، هذا العيد عيد المترفين الهانئين، عيد الأُلى بقصورهم وبروجهم متنعّمين، عيد الألى لا العار حرَّكهم، ولا ذلُّ المصير.. أختاه، لا تبكي، فهذا العيد عيد الميّتين” وحين سافرت طوقان مع العيد إلى قضاء يافا قالت: “أتُرى ذكرتِ مَباهِج الأعياد في يافا الجميلة، أَهَفَت بقلبك ذكريات العيد أيام الطفولة، إذ أنتِ كالحسّون تنطلقين في زهو غرير، والعقدة الحمراء قد رقت على رأس الصغير، والشعر منسدل على الكتفين محلول الجديلة، إذ أنت تنطلقين بين ملاعب البلد الحبيب” مع تأكيد طوقان أن عيد فلسطين هو يوم تحررها من الاحتلال.
ويختار الشاعر الفلسطيني أحمد مطر زاوية أخرى ليتحدث عن أزمات البلدان العربية، فهو يستخدم شعره للسخرية من تمزق العرب، فجميع الأعياد لديه بلا لون أو طعم، والإنسان لا يستطيع أن ينال حريته، يقول في قصيدة “أعياد”: “قال الراوي: للناس ثلاثة أعياد، عيد الفطر وعيد الأضحى، والثالث عيد الميلاد.. يأتي الفطر وراء الصوم، ويأتي الأضحى بعد الرجم، ولكنّ الميلاد سيأتي ساعة إعدام الجلاد”.
وها هو الشاعر السعودي عبد الرحمن العشماوي يتقطَّع ألماً على حال أمته الجريحة، فيقول في قصيدته “عندما يحزن العيد”: “من أين نفرح يا عيدَ الجراحِ وفي قلوبنا مِن صنوف الهمّ ألـــوانُ؟ من أين نفرح والأحداثُ عاصفةٌ، مِن أين والمسجدُ الأقصى محطمةٌ آمالُـه وفؤادُ القـدس ولهـانُ؟ مِن أين نفرح يا عيدَ الجراحِ وفي دروبِنا جُدُر قامـت وكثبـانُ؟”.
ويبثّ الشَّاعر العراقي مصطفى جمال الدين شكواه في العيد فيقول: “هـذا هـو العيـدُ، أيـنَ الأهـلُ والفـرحُ، ضاقـتْ بهِ النَّفْسُ، أمْ أوْدَتْ به القُرَحُ؟ وأيـنَ أحبابُنـا ضـاعـتْ مـلامحُـهـم، مَـنْ في البلاد بقي منهم، ومَن نزحوا؟” وفي قصيدة أخرى يقول: “يا عيدُ عرِّجْ فقد طالَ الظَّما وجَفَتْ تِلكَ السنونُ التي كم أيْنَعَتْ عِنَبـا، يا عيدُ عُدنْـا أعِدْنا للذي فرِحَتْ به الصغيراتُ من أحلامنا، يا عيدُ في صُبْحِكَ الآتي إذا اقتربا هَلَّا تَذَكَّرتَ ليلَ الأَمـسِ تملؤُهُ بِشْراً، إذا جِئْتَ أينَ البِشْرُ؟ قد ذَهَبا”.
ولم يكن الشعر العربي بمنأى عن تخليد الأعياد، فكان لعيد الفطر نصيب من دواوين البحتري أشهر شعراء العصر العباسي، حيث يقول مهنئاً به: “مَضى الشهرُ محموداً ولو قَال مُخبِرا لأَثْنى بما أَوليتَ أيَّامَه الشَّهرُ، عُصمتَ بتقوى الله والوَرعِ الذي أتيتَ، فلا لَغوٌ لديكَ ولا هُجرُ، وقدَّمتَ سعياً صالحاً لك ذُخرُه، وحال عليك الحولُ بالقَطر مُقبِلا، فباليُمنِ والإِقبالِ قابَلَك الفِطر”.
أما ابن الرومي فاحتفى بالعيد ورأى في إهلاله إيذاناً بالعودة إلى مباهج الحياة: “ولمَّا انقَضى شهرُ الصيام بفضلِهِ تَجلَّ هلالُ العيدِ من جانبِ الغربِ كحاجِبِ شمسٍ شابَ من طُولِ عُمرِهِ”.