دراساتصحيفة البعث

تأمّلات في الانتخابات الأوروبية

هيفاء علي

قدّم الجنرال الفرنسي المتقاعد دومينيك ديلاوارد بعض هواجس الشارع الأوربي عموماً والشارع الفرنسي على وجه الخصوص، حول الانتخابات الأوروبية التي ستجري في غضون أسابيع قليلة، مشيراً إلى أنه قيل للأوربيين منذ فترة طويلة إن الاتحاد الأوروبي هو السلام، ولكن بوسع الجميع أن يرى اليوم أن الاتحاد الأوروبي ليس سوى الحرب، لأن دول الاتحاد الأوروبي هي التي تغذي الصراع في أوكرانيا، وهي اليوم تضيف الزيت إلى النار، امتثالاً لإرادة حليفتها الولايات المتحدة بزعامة المحافظين الجدد. وحكومة الاتحاد الأوروبي التي تدعم دون تحفّظ سلطات الكيان الإسرائيلي التي تمارس الإبادة الجماعية في فلسطين المحتلة. وبالتالي، أصبح وضع الاتحاد الأوروبي والوضع في فرنسا في ذروة السوء مع فقدان السيادة والتدهور الاقتصادي للدول الأعضاء، وافتقار القادة إلى الكاريزما وضعف الدعم الشعبي الذي يدّعون أنهم يحظون به بشكل كبير.

ومع ازدياد الفساد، سواء في الهيئات الأوروبية أم في الإدارة والسلطة التنفيذية الوطنية، الذي أصبح الآن واضحاً للجميع، فإن الشارع الأوروبي يطرح تساؤلاتٍ عدة: هل ما زال التصويت مفيداً حقاً ولماذا؟ ولمن يجب التصويت؟

ويجيب الجنرال على هذه التساؤلات بالإشارة إلى أهمية التصويت لأن عدم القيام بذلك يعني الرضا عن الوضع الحالي، وفقدان سيادة الدول الأوروبية، والخضوع الأعمى وغير المشروط للسيد الأمريكي، وجماعات الضغط العابرة للحدود الوطنية، والمفوضية الأوروبية، الخارجة عن كل سيطرة. والأكثر فساداً من أي وقت مضى يتضح من الإدارة الكارثية للأزمة الصحية والحرب الأوكرانية والعدوان على غزة.

وبالتالي، فإن عدم التصويت يعني ترك المجال مفتوحاً أمام أولئك الذين يصوّتون، مهما كان عددهم صغيراً، وهذا يعني أنصار ماكرون الصغار، ولكن أيضاً أمام الأوروبيين المتعجرفين من جميع المشارب الذين، بعد تخديرهم من وسائل الإعلام الرئيسية، لم يدركوا بعد أن أوروبا لم تعُد هي تلك التي كانوا مثاليين لها قبل بضعة عقود.

ولكن يجب عدم التصويت لمصلحة الأحزاب التي دعمت السياسة الكارثية للحكومة والاتحاد الأوروبي خلال الأزمة الصحية، والتي صبّت الزيت على النار ودعمت الحكومة في إطالة أمد الحرب التي لا يمكن الفوز بها في أوكرانيا.

وبالنسبة للأطراف الراضية بالولاء غير المشروط لحلف شمال الأطلسي والمفوضية الأوروبية، بالنسبة للأحزاب التي ظل قادتها يسجدون أمام أقدام المجرم نتنياهو وهو يرتكب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة وباقي الأراضي المحتلة، وقدّموا لزيلنسكي دعماً غير محدود من السلاح، وما زالوا يقدّمونه، إلى أوكرانيا، بل وصل الأمر عند ماكرون إلى اقتراح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا لدعم قوات نظام كييف، و”إلحاق الهزيمة بروسيا”.

وأوضح الجنرال، أن تبعية فرنسا ومسارها التراجعي سيبقى كما هو، لذلك دعا الشارع الفرنسي إلى عدم التصويت لمصلحة قائمة ائتلاف ماكرون، ولا لمصلحة حزب الجبهة الوطنية، وحزب الاسترداد، وحزب اليسار، والحزب الاشتراكي، والحزب الشيوعي، هذه الأحزاب التي أظهرت جميعها، بدرجات متفاوتة، ولاءها للروس، المعادي لحلف شمال الأطلسي وصهيونية الإبادة الجماعية، وهو يدعو قبل كل شيء إلى عدم التصويت لهذه الفئة من الطيف السياسي التي أظهرت الوجه الحقيقي “للمعارضة المسيطر عليها”.

بالنسبة للحزب السيادي الحقيقي الوحيد في المجرة السياسية الذي يقدّم قائمة في الانتخابات الأوروبية: الاستعراض الدوري الشامل، وهو أقدم حزب سيادي (17 عاماً) الملتزم بالعودة إلى سيادة فرنسا، وهو الحزب الوحيد القادر على “زعزعة” برلمان الاتحاد الأوروبي، وهو الطرف الوحيد الذي اتخذ مواقف عادلة ومعقولة في جميع المواضيع. وسائل الإعلام العالمية السائدة، تبذل قصارى جهدها للتشبث بالسلطة، ولكن في عام 2024 تغيّر الوضع وبدأ الناخبون يفتحون أعينهم على الوضع وتراجع بلادهم وتشويه صورتها في العالم، ففي المملكة المتحدة، في مقاطعة روتشديل، حقق رئيس حزب صغير، يُدعى جورج غالاوي، فوزاً ساحقاً وغير متوقع بنسبة 40٪ من الأصوات في انتخابات فرعية تشريعية، ما أدّى إلى إبعاد الأحزاب التقليدية الكبيرة عن هذا الدور، فقط من خلال الحملة التي أطلقها ضد الإبادة الجماعية في غزة..

وعلى هذا النحو، انتهى الأمر بالناخبين البريطانيين إلى أن يكونوا على حق، الأمر الذي أثار دهشة واستياء أولئك الذين ما زالوا يعتقدون أنهم أسياد اللعبة والذين انتظروا نتائج التصويت بهدوء. فلماذا لا يحدث هذا في فرنسا؟ ولماذا لا يحاول الفرنسيون قلب الطاولة؟ يتساءل الجنرال.