دراساتصحيفة البعث

استحقاقات الصراع في فلسطين المحتلة

ريا خوري 

ما زال العنف والإرهاب يضربان العالم دون هوادة، فقد بات العالم قلقاً بشأن التطورات العسكرية وحجم القتل والتدمير والحرائق في العديد من دول العالم، وكأنَّ العالم مستمر في رسم خرائط سياسية وعسكرية وجغرافية جديدة، وهذا ما زاد من حالة التسلّح وإنتاج السلاح الفتاك المدمّر، فكيف لنا أن نعيش قسراً ضمن خرائط جديدة، فقد تم رسم العديد من الخرائط وتلوينها بكل ألوان الدم والنار والدخان خلال سنوات الإعداد لنكبة جديدة قادمة، وهي الحرب الثامنة التي شنّتها وتشنّها قوات الاحتلال الصهيوني ضد بلداننا العربية المجاورة لهذا الكيان المسخ، الذي زرع كغدة سرطانية في الجسم العربي، وصاروا يطلقون على تلك الحروب العديد من العناوين، منها الحرب الإقليمية التي ما فتئت تبشر بها وتحذر من نشوبها الولايات المتحدة الأمريكية، وتارة هي من تتمات النكبة الثانية التي جرت قبل عشرات السنين، وتارة هي أولى حروب مسيرة الشرق الأوسط الجديد التي رسمها شمعون بيريز وكونداليزا رايس، وتارة هي البداية المنطقية العالمية الأخرى لحرب عالمية ثالثة مدمّرة، حرب يتحدّث عنها، أو يتوقعها البولنديون المتاخمة أراضيهم لألمانيا الاتحادية، وآخرون في القارة الأوروبية الملتهبة بالقلق.

لقد بات الحذر والقلق هاجس الحكومات والدول، فمعظم المؤشرات الملموسة وغير الملموسة تؤكّد أننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من حربٍ عالمية لا تبقي ولا تذر، عندما تم الإعلان عن “اليوم التالي”، لذا مطلوب منا أن نفكِّر مليّاً فيما هو قادم لأن هذا الطلب فيه إجحاف وظلم حيث يطالب الغرب الأوروبي ـ الأمريكي ـ الصهيوني من طرف لم يشارك في صنع النكبة، لكن عليه أن يشارك في تكريس نتائجها المدمّرة ويتحمّل استحقاقاتها واستطالاتها وفي حمايتها. الغريب والمدهش في الأمر أنَّ الطلب لم يوجَّه إلى المنظمة الإقليمية المكلَّفة منذ يوم ولادتها بقضية فلسطين أرضاً وشعباً عام 1948، وإنما وجَّه إلى دولتين جارتين لفلسطين، هما الدولتان الوحيدتان بين دول جوار الكيان الصهيوني اللتان احتفظتا بقدرٍ عالٍ من وحدة أراضي كل منهما والاستقرار السياسي فيهما.

الجدير بالذكر أنّ من أطلق على نفسه صفة الوسيط كأمر واقع هو أمرٌ تعسفي، وهو في الآن ذاته مؤسّس ومشارك بشكلٍ عملي ومباشر في تحقيق النكبة ومساهم قوي في إشعال الحرائق والتدمير الممنهج والقتل وسفك الدماء بالأسلحة الفتاكة، لذا فإنه من الواجب أخذ الحيطة والحذر والاستمرار في التعامل معه على هذا الأساس، وليس بصفته وسيطاً محايداً بل مشاركا في كل أفعال الشر. ليس معنى أن يتقدم في مجلس الأمن الدولي بمشروع قرار يحمل سمة الاعتدال في الموقف ممّا يجري من قتلٍ ودمار وحصار وتجويع، أو أن يمتنع عن استخدام حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قرار أممي معتدل استنفد قوّته، وصلاحيته حتى قبل أن يصدر للعلن لأنه جزء كبير من البروباغندا الإعلامية الغربية.

في مثل هذه الحالة، يجدر بالأطراف المكلّفة أو المرشحة للقيام بأدوار تفرض فرضاً وبشكلٍ قسري، أن تتريث في القبول، حتى وإن كانت الأوضاع على الأرض غير محتملة وغير إنسانية. نعرف ويعرفون من وقائع النكبة الأولى التي جرت عام 1948م ونتائجها الخطيرة على كل الصعد، أنَّ كلفة التعامل مع هذه النتائج كانت باهظة جداً. ولن تكون كلفة التعامل مع نتائج حرب جديدة ونكبة ثانية أقل من كلفة النكبة الأولى على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري. إذا دخلناها مُسيَّرين وتحت زعم أننا مخيَّرون، فلن نحصد إلا الدمار والحرائق وتهديم بنيان الدول من مؤسسات وهيئات وإدارات، والخضوع الكامل لهيمنة العدو الغربي الأمريكي ـ الصهيوني ـ الأوروبي، وهؤلاء لا يرحمون أحداً على الإطلاق، لذا كنّا شهوداً ولا نزال شهوداً حتى يومنا هذا.

من الضروري جداً أن يعلم شعبنا العربي أننا حتى وإن قبلنا بتلك المشاريع والخطط، لن نذهب في طرق جرّبناها وتلقينا فيها دروساً مُرَّة، لن نستطيع تكرارها. نذهب في الاتجاه الصحيح، مسلَّحين بثوابت التاريخ والعقيدة وأولها قدسية علاقاتنا الاستراتيجية بمشرق عربي آمن ومطمئن. يعرف المسؤولون في معظم بلداننا العربية حجم المعاناة نتيجة احتلال الجيش الأمريكي للعراق وسرقة خيراته وموارده وتهديم تاريخه وسرقة ونهب آثاره، وفرض العقوبات الجائرة عليه، وتمزيق سورية وإخضاعها لهجمات من كل نوع من الإرهاب ابتداءً بإرهاب الدولة المنظم التي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وبعض الدول الأوروبية وانتهاءً بتنظيم (داعش) الإرهابي وتوابعه واشتقاقاته من تنظيمات إرهابية، وجميع هؤلاء مارسوا أبشع العمليات الإجرامية بحق شعبنا العربي السوري الصامد.

وقام هذا الحلف بالضغط على الشعب العربي الفلسطيني، ومارَسَ بحقهِ أبشع العمليات الإجرامية في التاريخ السياسي الحديث والمعاصر، ومزقَ عُرا التواصل الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

في مقابل تلك السياسة، نجد انّه من الضروري أن يتحصَّن المفاوضون العرب بدروع جديدة تقيهم تحايلات وشرور الطرف الصهيوني والأطراف الأمريكية والأوروبية. أما الدروع فهي ما تحقّق لمصلحة القضية الفلسطينية، كعرب وآخرين من دعم وتفهُّم في الرأي العالمي لم يحدثا، مسلّحين بمذكرة دولة جنوب إفريقيا وقرارات محكمة العدل الدولية، ودور المقاومة الوطنية الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني التي أثبتت أنَّه قام بعمليات تطهير عرقي وإبادات جماعية، تبعث من جديد حالة جديدة من الزهو عادت إلى النفس العربية والآسيوية حقها في التعبير عن أنّ القضية الفلسطينية قضية جوهرية وقضية عالمية ولا يمكن حلها إلا وفق الشرعية الدولية بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس.