الكلمة العليا لمحور المقاومة
إن ما حصل فجر هذا اليوم، وما سبقه من حالة جلوس على جمر الترقب من أمريكا وحلفاءها يذكّرنا بما جرى في حرب تشرين التحريرية التي منحت في إحدى أبهى صورها المشرقة قرار إعلان الحرب والسلم للعرب لا لكيان العدو المتغطرس ومن يقف خلفه، مع فارق يتمثل في عنصر المفاجئة الذي اعتمدت عليه تشرين التحرير، إذ إننا اليوم مع حالة محدّثة تتجلّى في أن قرار الردّ العسكري اتُخذ وتم الإعلان عنه في كل المحافل الإيرانية ومن مسؤوليها على جميع المستويات، ومن دول محور المقاومة بالكامل، بل كانت ساعة الصفر شبه معلومة للكيان الذي اختبأ مسؤولوه المتطرّفون في جحورهم، وعقدوا اجتماعات تآمرهم وإجرامهم كالجرذان تحت الأرض، في تعبيرٍ بالغ وصريح عن عجزهم عن صدّ ردّ المقاومة وتقنياتها التي لم يظهر حتى الآن سوى أقلها تقنيةً مع عدم عجزها عن إظهار المزيد متى حان الوقت.
وما جرى يعتبر امتداداً لانتصار المقاومة في حرب تموز عام 2006 التي مثلت عتبة جديدة في الخروج من حالة الشعارات، إلى مرحلة العودة إلى ميادين القتال ضدّ “إسرائيل” بقوة، عبر الاستغلال العملي للعلم العسكري والتقنية على نطاق غير مسبوق، وعلى جميع الصعد، بما فيها الإنتصار بالحرب النفسية، وحتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتغيير الرأي العام العالمي إبان الممارسات العدوانية والإرهابية لمحور الاستكبار العالمي التي لم تعد مقبولة حتى من الشباب الأمريكي ذاته.
لقد افتتح “الوعد الصادق” مرحلةً مفصلية بإقرار مسؤولي الاحتلال الذين أبدوا مفاجأتهم بهذا الردّ -الذي لم ينفذ من خطته سوى جزء- كما عرّى مزيداً من الفجوات ونقاط الضعف العسكرية والاستخبارية في جيش حرب العدو الذي بات يتلقى مع “قبته الحديدية” صفعات استراتيجية متسارعة منذ “طوفان الأقصى” لجهة عجزه في صدّ الهجمات أو إيقافها، حتى وإن تدخّل الحليف الأمريكي.
إن “إسرائيل” وأمريكا أسرفتا في الحديث والإدعاءات حول “إعادة التوازن الدولي” قبل هذا الردّ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل “إسرائيل” دولة أساساً، أو من حقها الحديث عن التوازن الدولي بعد أن ضربت بعرض الحائط كل قواعد القانون الدولي ومواثيقه، وليس آخر ما ارتكبته -بعد مجازر الإبادة في غزة- ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق بصواريخ أمريكية؟.
في الحقيقة إن ما جرى ليل أمس لم يقتصر على ردّ عسكري لإيران ومحور المقاومة، بل هو إرساء لقواعد القانون الدولي وتطبيقاً لها، لطالما كفلت لأي دولة الحق في الردّ على أي اعتداء ينتهك سيادتها؛ فتعطل مؤسسات هيئة الأمم المتحدة وعجز المجتمع الدولي عن لجم “إسرائيل” وأمريكا عن متابعة إجرامهما بحق دول المنطقة سيقتضي بالضرورة مثل هذا الردّ، وفي حال التكرار سيكون الردّ أشدّ قساوة، وهذه الرسائل البالغة من إيران ومحور المقاومة تؤكد عودة التوازن الدولي الصحيح في منطقة الشرق الأوسط، وحتى وإن لم تصب “إسرائيل” وأمريكا بمقتل لكنها تنذر بذلك، وبما هو أقوى وأشد فتكاً في حال التكرار، كما يمكن إضافة هذه الرسائل بشكل متكامل إلى جهود الأقطاب الصاعدة على مستوى العالم الجديد في إفشال المشروع الغربي الاستعماري بكل أدواته وأشكاله.
بشار محي الدين المحمد