الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

مجرّد سؤال

عبد الكريم النّاعم

قال له صديقه: “كما تعلم، في هذه الأيام الضيّقة، الصعبة، تجد الأسئلة الكثيرة طريقها بيُسر، وربّما جاء بعضها بدوافع رغبة الخروج ممّا نحن فيه من حصار، أنا أقول إنّه لابد من نهاية ما لِما نحن فيه، وسوف يعود النّاس إلى حياتهم بطريقة ما، لأنّ هذا منطق الأحداث، فنحن في عالم التغيّر لا في عالم الثبات، وأيّاً كانت نتائج هذه الجائحة على العالم، فلا بدّ من استعادة دورة الحياة، وهكذا سوف نجد أنفسنا مرّة أخرى في مواجهة العدوّ الصهيوني، بمَن معه، وأعني تحديداً الدولة العميقة في الولايات المتّحدة وتوابعها، فهل تعتقد أنّ المتغيّرات التي سيفرضها اجتياح كورونا في العالم سوف تفرز من القوى القادرة، ضمن ظروف موضوعيّة،.. مَن يريحنا من هذا العدوّ الذي لن تعرف المنطقة، بل العالم، هدوءاً وسلاماً مادام على عجرفته، وتحدّيه لكلّ القوانين والأعراف الدوليّة”؟

أجابه: السؤال افتراضي، وليست افتراضاته من خارج الواقع، بيد أنّني سأتوقّف فيه عند النقاط التالية:

أيّاً كانت التغيّرات القادمة، فأنا أرجّح أنّ ما رسّخه النشاط الصهيونيّ في كلّ من أمريكا وأوروبا لا يمكن زحزحته بسهولة، وهذا قد يحتاج إلى عمل سنوات طويلة، بل أجيال، لأنّهم زرعوا في وجدان الأوروبيّين والأمريكيّين أنّ للصهاينة حقاً مشروعاً في فلسطين، وكان هذا يُكرّس في التعليم، وفي المواعظ الدينيّة، ولكي تبني قناعات جديدة لابدّ من زحزحة القديم، وأنت ترى حال العرب اليوم، معظم عواصمهم تأتمر بالرغبة الأمريكيّة التي هي رغبة صهيونيّة بامتياز، وأرجّح أن خلخلة ذلك لن تتمّ إلاّ عبر انتصار باهر يحقّقه حلف المقاومة، فيُفاجأ العالم بمعطى جديد هو الواقع المفروض بقوّة المواجهة.

أنا أرجّح أيضاً أنّ العالم ستترك فيه جائحة كورونا زلزلة كبيرة، وسوف تنعكس على علاقات الدّول البينيّة، كما أنّها ستتمظْهر في كثير من الأفكار المتعلّقة بطبيعة النظام الرأسمالي المتوحّش، وأنا لا أستبعد أن تكيّف الرأسماليّة نفسها بحسب المعطى، فتتحوّل إلى شكل جديد، وهي أيّاً كان الشكل الذي ستتّخذه، لن تتخلّى عن الجشع، والنّهب، وهذا سيطال الكثير من الأفكار كالديموقراطيّة، والتعاون بين الدول، وقد يطال العديد من الأفكار الفلسفيّة، والتي لا يمكن التّكهّن بها، ولا بدّ من انتظار ما ستكون عليه.

وردتْ فكرة الاعتماد على الغير، وهي فكرة خطيرة، لأنّه ما من أمّة، ولا شعب، ولا جماعة حقّقت بعض تطلّعاتها بالواسطة، وما من شعب عبر الأزمنة حرّره الآخرون، التحرير لا يكون إلاّ بالسواعد الوطنيّة، وأحيلك إلى التاريخ، فيوم ثار العرب ضد الاستعمار التركي، وقدّم الغرب الغازي نفسه كحليف صادق!، كانت النتيجة أنّ الإنكليز والفرنسيّين احتلّوا المنطقة، وصادروا حلمها، وكان ذلك مقدّمة لزرع الكيان الصهيوني.

في الحرب العالميّة الثانية التي انتهت بهزيمة النّازيّة والفاشست، كانت النتيجة أن أوروبا انقسمت إلى قسمين، قسم تهيمن عليه أمريكا، والآخر الذي هو منظومة حلف وارسو.

بعض دول الغرب، بالأمس القريب، حين اندلع حريق الخراب العربي، أرسلوا جواسيسهم، وبعض منظّريهم، لا للحفاظ على وحدة كلّ بلد دخلوه، بل لإحداث مزيد من التمزيق والبعثرة، وها نحن ما نزال نواجه آثار ذلك في أكثر من مكان، وليس الاحتلال التركي لبعض المناطق في سوريّة، وما جرى في ليبيا إلاّ الصورة الأبرز.

اسمع يا صديقي، كانوا قديماً في هذه البلاد، حيث يقع الجفاف يتقاتلون على الماء للشرب، ولسقاية أنعامهم، فنتج عن ذلك مثل يقول: “عِدّْ رْجالكْ ورْد الميّ”، أي إذا أردت أن تصل إلى الماء الذي هو عماد البقاء، فعدّ رجالك، فإذا كان لديك من الرجال ما يكفي لبلوغ مأربك، فأقْدمْ”.

نعم لا بدّ من حلفاء صادقين، والحليف يقاتل إلى جانبك، أمّا صديق المصلحة، كما يمكن أن يُقرأ، فهو غير مكلَّف، وليس له ما يدفعه ليكون جنديّاً في المعركة.

aaalnaem@gmail.com