اتحاد كتاب المشرق العربي يبصر النور في دمشق
أمينة عباس
أثمر احتضان اتحاد الكتاب العرب لقاء رؤساء اتحادات الكتاب في الدول المجاورة لبنان، والأردن، والعراق، وفلسطين، أمس، إعلان تأسيس اتحاد كتاب المشرق العربي، كضرورة ملحة وخطوة نحو الأمام تجلت من خلال الجهود التي بذلتها هذه الاتحادات ليبصر النور في دمشق بعضوية ورعاية اتحاد الكتاب العرب الذي أوضح رئيسه الدكتور محمد الحوراني أن الهدف من تأسيس هذا الاتّحاد هو مواجهة المخاطر الحقيقيّة التي تحيط بالهويّة المشرقيّة عبر تنسيق العمل الثقافي في ظل الفوضى المنتشرة، كذلك التّوجه إلى الشباب والعمل على احتضانهم وتظهير المبدعين منهم في ظل استهدافهم من خلال غزو عقولهم وتسطيح أفكارهم، مبيناً أن هذا اللقاء وما نجم عنه يأتي في سياق العمل العربي المشترك في ظل استهداف الدول العربية عامة وفلسطين خاصة في ثقافتها وتاريخها وهويتها وإنسانها، لذلك كان من الواجب أن يجتمع المثقفون والكتاب المعنيون بالشأن الثقافي في الدول المجاورة من أجل اتخاذ موقف موحد اتجاه ما يحدث، مع تأكيده أن اتحاد كتاب المشرق العربي جزء لا يتجزأ من الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
أما الدكتور علي الفواز رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق فرأى أن التنسيق ما بين الاتحادات العربية المجاورة هو تأكيد حاجتنا إلى الحوار، وضرورة أن يكون المثقف العربي حاضراً في اللحظات التاريخية الفارقة برؤية واضحة وأفق واضح وقدرة على تحمل مسؤولية المواجهة لما تتعرض له المنطقة العربية والشعب الفلسطيني بشكل خاص، وهذا يتطلب من المثقف العربي أن يصنع مساحة وعي فاعلة يمكن أن تتشكل بها أسئلة ورؤى جديدة من خلال وجود مؤسسات فاعلة، لأن المثقف اليوم ـ برأيه- لا يمكنه أن يكون بطلاً لوحده ما لم تكن هذه البطولة معززة بقوة معنوية ورمزية ورؤية تاريخية واضحة.
في حين بين الأستاذ مراد السوداني الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين أن تأسيس اتحاد المشرق العربي في هذه الظروف رافعة لكل الاتحادات التي اجتمعت في سورية في ظل الحرب المفتوحة على المنطقة بشكل عام وفلسطين بشكل خاص، والتي تتطلب أن يكون المثقف العربي والاتحادات المجاورة التي تتعرض بلدانها وثقافتها للاستهداف والتفكيك على أهبة الاستعداد، من خلال تأكيد أهمية ثقافة وأدب المقاومة في مواجهة رواية الاحتلال الصهيوني النقيضة والتطبيع بكل أشكاله، مؤكداً أيضاً أن الثقافة تواجه أنواع التغريب والاستيلاب كلها، وهذا ما اتفق عليه رئيس رابطة الكتاب الأردنيين الأستاذ أكرم الزعبي الذي أشار إلى أن الدول المتجاورة من حقها كدول مرتبطة تاريخياً وجغرافياً أن يكون لها هذا الكيان، ورأى أيضاً أن وجود رؤساء الاتحادات في دمشق هو تأكيد دور المثقف الملتزم بقضايا أمته وأن انطلاق اتحاد المشرق العربي ذي الأرضية المشتركة على صعيد الجغرافيا والتاريخ والموجود في منطقة ملتهبة سياسياً وأمنياً وتعاني الاحتلال الصهيوني كلها أسباب وجيهة للاتفاق على إشهاره وتأسيسه ليكون أداة من الأدوات التي تقف جنباً إلى جنب مع المقاومة التي هي أيضاً برأي الدكتور أحمد نزال الأمين العام لاتحاد الكتاب اللبنانيين وسيلتنا في مواجهة كل ما يهدد ثقافتنا وتاريخنا وهويتنا وما يحاك من سيناريوهات للمنطقة ومواجهة سياسة التهويد الثقافي في هذه البقعة الجغرافية التي تحمل التاريخ المضيء، مؤكداً أن هذا الاتحاد ليس رقماً يضاف إلى الاتحادات والمؤسسات العربية وهو يأتي مشحوذاً لرؤية عميقة لتفعيل التنسيق والتعاون العربي.
واتفق المجتمعون وفق بيانهم الذي أعلنوا عنه في نهاية اللقاء على أن العمل المشترك هو لتوطيد ثقافة الانتماء وتحصين الهوية الثقافية الوطنية الجامعة والعمل على ترسيخ المشتركات التاريخية والثقافية والحضارية والحفاظ على التراث المادي واللامادي لكونه جزءاً أساسياً من مكوناتها وتعميق أهداف ثقافة المقاومة ومعانيها ومناهضة التطبيع بأشكاله كلها، وترسيخ حضور القضية الفلسطينية في الثقافة والآداب والفنون، والتنسيق مع الدول الصديقة لمواجهة الاحتلال وفضح ممارساته بحق الشعب الفلسطيني، ودعوة أعضاء الاتحاد وذوي الاختصاص لكتابة تاريخ فلسطين وتوثيقه وتجذير ثقافة المقاومة وترسيخها في الآداب والفنون وعبر الندوات، وتأكيد استعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة على كامل ترابه من خلال تعزيز حضورها في وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج التربوية والتعليمية والإعلامية والثقافية و التنسيق مع المؤسسات الثقافية والدولية ذات الرؤى المشتركة لتشكيل جبهة ثقافية في مواجهة المشاريع الاستعمارية، واحتضان المواهب الأدبية الشبابية في الاتحادات والروابط الشريكة وتكريس قيم الانتماء والمواطنة.
كما أجمع رؤساء الاتحادات في مشاركاتهم في الندوة التي أعقبت اللقاء بإدارة الدكتور الحوراني تحت عنوان “الشعر والسرد ودورهما في تأصيل المقاومة والانتماء” على أن الحرب التي تخوضها القوى الأخرى هي حرب السرديات والمصطلحات والمفاهيم والمنصات والسوشال ميديا، وهي حرب ذات صبغة جديدة تقتضي منا وعياً ودقة في التعاطي معها بحذر بما يلامس صناعة وصياغة الرؤية المضادة التي يحاول العدو الصهيوني أن يصنع من خلالها متاهة تقودنا إلى اغترابات واستلابات تحتم على المثقف العربي صناعة مصدات تعبر عن وعيه بهذه المتاهة بإعادة توصيف الأشياء وطرح الأسئلة الفاعلة بطرق جديدة حول هويتنا وتاريخنا عبر الشعر والرواية، من دون أن ينكروا حاجة الكاتب إلى مهارة وخبرة لمواجهة السرديّات التي يريد الاحتلال أن تُكتَب بعيون الغزاة والمحتلّين، في حين نجح المبدع الفلسطيني شاعراً وروائياً – الذي كان يمسك بندقيته بيد وقلمه باليد الأخرى- أن يحكي قصة فلسطين بآلامها وجراحها حفاظاً على الهويّة الفلسطينيّة وسعياً لاستعادة الحق، وقد دفع دمه ثمناً لذلك حيث الكتابة في فلسطين ليست ترفاً، بل مسؤولية للحفاظ على المعنى الجليل لفلسطين وسرديّاتها، من دون أن ينكر المشاركون أن المبدع العربي في السنوات الأخيرة غارق في ذاتيته ولا يستعيد وعيه إلا بحالات الطوارئ، وأن الأدب العربي يحتاج إلى إعادة قراءة من قبل نقّاد حقيقيّين للفصل بين ما هو غث وما هو ثمين لتقديم المبدع الحقيقي، وهذه مسؤوليّة اتّحادات الكتّاب برأيهم لإعلاء شأنه وتقديمه للناس مع تأكيدهم ضرورة استخدام المبدع لوسائل التواصل الحديثة لأنها أصبحتْ تتقدّم على الورق.