تفريخٌ لـ”أحلاف” النفاق
أثارت قضية الاعتداء الإرهابي الصهيوني على القنصلية الإيرانية والردّ الإيراني المشروع عليها جملةً من القضايا الساخنة، تظهر من خلال شكل التعاطي من دول المركزية الغربية ومَن يسير على نهجها المضطرب مع تلك القضية، حيث لمس العالم بأسره انكشافاً غير مسبوق للنفاق وازدواجية المعايير التي تتبناها تلك الدول، فرأينا كيف عرقلت دول الاستعمار القديم مشروع قرار روسي في مجلس الأمن الدولي لمجرّد أنه يهدف لإدانة هذا الاعتداء لا أكثر، عبر تأويلات غير منطقية وغير محقة، في حين أن محور تلك الدول بعد “الوعد الصادق” ادّعى حرصه على “السلم” في منطقة الشرق الأوسط، وذلك عندما تعلّق الأمر بـ”إسرائيل” على اعتبارها كيان ممثل لمصالح أمريكا والغرب في المنطقة ولا يجوز الردّ على اعتداءاته، منكرين حق إيران في استخدام المادة رقم 51، رغم أنهم استخدموا تلك المادة بشكل متكرّر ليس لاستثمار حق الدفاع عن النفس، بل لاحتلال واستباحة دول أخرى بحجة “الدفاع عن النفس” أو حتى لإبادة شعوب -كما حدث في غزة على سبيل المثال لا الحصر- بالذريعة “الحصرية” ذاتها.
كما منحت دول محور العدوان لنفسها حقاً “حصرياً” آخر في تشكيل “أحلاف” جديدة في كل منطقة يريدون إشعال توتر أو إيجاد موطئ قدمٍ استعماري فيها، مثلما فعلوا في البحر الأحمر، أو مثل الذي دعا لتشكيله أمس وزير الحرب الإسرائيلي غالانت بحجة الدفاع عن الكيان الصهيوني من “تزويد الصواريخ الإيرانية برؤوس نووية”… أو في تفريخ نسخ عن “الناتو” في “آسيا- الهادئ” لتطويق دول تعتبرها المركزية الغربية خطراً على نموها وتجارتها ومصالحها، وليس آخرها حلف “كواد” الموجه ضدّ الصين، والأمثلة كثيرة وتتمدّد وتتجدّد بشكل يتناسب طرداً مع تعالي، واستحقار دول محور العدوان تلك لمصالح الشعوب الأخرى، بعد اعتيادها خرق القانون الدولي دونما حسيب أو رقيب.
لكن المثير للاشمئزاز أكثر أن الغرب يحتكر “الأحلاف” ويحرّم ويجرّم أي علاقة تقارب أو تحالف استراتيجي يعتبر فيها “خطراً” على مصالحة، حتى وإن كانت غير مشروعة، فمؤخراً ادّعت وزير الخزانة الأمريكية بأن الصين “تساعد” روسيا في عمليتها الخاصة في أوكرانيا، ملوّحةً بفرض عقوبات إضافية بحقها، وقبل ذلك شهدنا اتهامات غربية مماثلة لإيران بـ”إرسالها” المسيّرات والصواريخ البالستية لروسيا، في وقت تتحدى تلك الدول حتى إرادة شعوبها التي نزلت إلى الشوارع وهاجمت بعض ترسانات السلاح، مرسلةً صفقات مكشوفة ومعلنة لـ”إسرائيل” لإعانتها في الإبادة الجماعية لشعب غزة تحت ذرائع ومبرّرات غير منطقية وغير إنسانية، مثل الإدعاء بأنها لم تُستخدم ضدّ المدنيين في القطاع، كما تمارس تلك الدول الهروب نحو الأمام عبر نبش تصرفات الدول الأخرى وتحركاتها حتى وأن كانت ترمي للحفاظ على سيادتها وحقوقها.
ومع توالي الأحداث يظهر لكل العالم يوماً بعد يوم أن مجلس الأمن ومؤسساته أصبحوا وبامتياز مجرّد أدوات ممنهجة لتمرير النفاقات الصهيو-أمريكية، والأنغلوساكسونية، وغيرها من مجمعات صناعة الأسلحة والاستغلال والدمار، وهذا كله يستتبع بالنهاية مزيداً من الإنضمام إلى كيانات العالم الجديد لتقويتها كمؤسسات بديلة -ناطقة باسم القضايا الوطنية- عن أدوات النفاق تلك.
بشار محي الدين المحمد