ثقافةصحيفة البعث

في تأبين الشاعر فايز خضور: أخضب اللغة وقدم خوابي عارمة من الدهشة والإبداع

لأنه كان شاعراً فريداً من نوعه، أراد أصدقاؤه تكريمه، وتقدير ما قدمه في مسيرة حياته، فأقام اتحاد الكتّاب العرب في سورية حفل تأبين وندوة نقدية عن الشاعر الراحل فايز خضور في مكتبة الأسد بدمشق.

وفي كلمة رئيس الاتحاد، اعتذر د. محمد حوراني عن التقصير بحق الشاعر الكبير مخاطباً إياه: “اعذر تقصيرنا، فمثلك يعلم أن مساحة اللغة تضيق على فداحة كبر المأساة، وحينها يتلعثم اللسان، وتموت الكلمات، وتقفر العقول، وتكبو جياد المعاني، أخضبت لغتنا، وفجّرت ينابيعها، واعتصرت نبيذها لتقدم للقارئ العربي خوابي عارمة من الدهشة والإبداع”.

أما د. صفوان سلمان رئيس المكتب السياسي للحزب السوري القومي الاجتماعي فقد وصف “خضور” بالشاعر النهضوي، فقصيدته تنمو كما الحياة حين تنبعث وتنهض، وتتشكّل جنيناً يلتقط حتى المواقف والتفاصيل المزامنة لفعل الكتابة، ويدخلها إلى القصيدة لتذوب في اللغة والإيقاع والصورة والفكرة، فتكون الرؤية.

وتحدث الشاعر حسين عبد الكريم عن علاقة الصداقة التي تربطه مع الشاعر وأدباء آخرين كمحمد الماغوط، ومع فنانين كفؤاد غازي، ولخص كلماته بأن الكتابة عن الكتابة والأصدقاء جرح لا تشفيه البلاغة، وبيّنت يانا خضور ابنة الراحل التحديات والنضال اللذين تميز بهما والدها، وتأكيده على جملة: “لا تكن إلا حقيقياً”، فالحقيقة والصدق أساس الشخصية القويمة.

تجربة فنية مهمة

ابتدأت الجلسة الأولى من الندوة النقدية التي أدارها د. ثائر زين الدين بالحديث عن تجربة فايز خضور الشعرية التي رأى د. سعد الدين كليب في ورقته  التي حملت عنوان: “التجريب وتراسل الأجناس” أنها من أهم التجارب الشعرية السورية والعربية في شعر الحداثة عامة، وذلك بما انطوت عليه من تشكيلات لغوية وإيقاعية وتصويرية، ومن أشكال فنية غنية ومتنوعة، ومن قيم جمالية وثقافية وفكرية وعصرية، ما أثرى حركة الشعر الحديث عامة.

وقرأ د. راتب سكر ما كتبه الشاعر شوقي بغدادي الذي اعتبر الكتابة عن شعر فايز خضور عملاً محزناً جداً، وقدم دراسة نقدية عن مجموعة شعرية واحدة هي “ثمار الجليد” التي يرى أنها تشبه فايز خضور، وتابع قائلاً: “وجدته في هذه المجموعة، الشاعر الذي عاشرته طويلاً، أسرتني موهبته، سواء في اختيار الموضوعات، أو في التعبير عنها لغوياً، لقد كان أسلوبه مبهراً، سواء في المفردات التي يختارها، أو الأسلوب المجازي الماهر الذي يحسن استخدام اللغة والأفكار في تعابيره”.

التجربة الشخصية

وفي الجلسة الثانية من الندوة التي أدارها د. سعد الدين كليب، استهل د. نزار بريك هنيدي حديثه عن الراحل بالتطرّق للتجربة الشعرية التي تعتبر الدعامة الأولى للشعر في مداخلته: “خضور وقصيدة التجربة”، وتابع حديثه: “كان فايز خضور من بين أهم الشعراء الذين اشتغلوا على بنية نصوصهم الشعرية، وخاض غمار الكثير من التجارب الفنية والمغامرات اللغوية والايقاعية والتخيلية، إلا أن المأثرة التي  مكنته من أن يتبوأ مكانته المتقدمة في المشهد الشعري السوري هي قدرته الفذة على تحويل تجاربه الشخصية بكل حدتها وآلامها وفضائحيتها إلى تجربة شعرية فنية تحمل صدق عواطفه، ورهافة أحاسيسه، ووحدة انفعالاته التي تتنقل تواتراتها واهتزازتها إلى أوتار قلوب المتلقين، فتتحرك على إيقاعاتها، وتعزف ألحان تجاربهم الخاصة، وتلك هي الغاية القصوى التي يسعى إليها كل عمل فني أو شعري، فعندما يستحضر فايز خضور صورة أمه وهي تلعنه في طفولته لأنه لا يلتزم بتعاليمها بل يقوم بسرقة البيض والقمح ليبتاع الحلوى التي يرغب بها، فإنه يعيش مجدداً هذه التجربة بكل معانيها، وينقلها بكل زخمها.

انعكاس للصوت

أما د. بتول دراو فلم ترد الحديث عن خضور من خلال شعره، وإنما عبر الآراء النظرية والمقولات التي هي انعكاس لصوته الشعري، وتطرّقت إلى جوانب عدة في ورقتها التي حملت عنوان: “حوار في حوارات الشعر والشاعر”، فقالت: “ما يهتم به خضور هو التخصص، إما أن تكون شاعراً أو غير شاعر، يدفعه في ذلك الإخلاص العميق ومحبته الكبيرة للشعر، لا يقيم عوائق صارمة بين ذاته الشخصية وشعره، إنه يعمل على شعره تماماً كما لو أنه يحيا لأجل هذا الشعر وحده”.

وتابعت: “كان يرى التجديد آتياً من داخل البنية النصية ذاتها، فلا يمكن الاستغناء عن التفعيلة، ويدعو الشاعر في قضية اللغة إلى فتح أبواب المعاجم، وإخراج المفردات لمعاينة الحياة، أما في قضية النقد فكان يؤكد على أننا لم نُقرأ نقدياً بعد، ويصف الواقع النقدي الراهن في أحد حواراته بأنه بورصة النقد الأدبي، ويتحدث عن الرجولة الفنية بأننا محتاجون إلى حركة نقدية موازية لما في هذه الأمة من حركة إبداعية”.

أنماط البناء

تتعدد أنماط البناء في قصيدة خضور وفقاً لطبيعة التجربة التي تمثّلها، وتعدد أشكالها، وتنوّع الرؤى الشعرية التي يطرحها، ما وفر لشعره تنوّعاً في الأنماط التي اتكأ عليها في سبيل قول ما يريد قوله، بحيث يتمكن متتبع شعره أن يلحظ أنماطاً عديدة للبناء داخل القصيدة الواحدة، هذا ما تحدث عنه د. جمال أبو سمرة في مداخلته: “بناء القصيدة عند فايز خضور”، وتابع قائلاً: “ظهرت قصائد خضور ذات البناء التوقيعي في مرحلة مبكرة من نتاجه الشعري الذي تمثّل بقصيدة “فاتحة الأسفار الأولى”، حيث قدم فيها سمات شخصيته التي تلاحقها اللعنة منذ الطفولة المبكرة، وفي البناء التشكيلي قدم خضور بعض قصائده معتمداً على هذا النوع للوصول إلى عقل المتلقي وقلبه معاً عبر إبراز مفاصل جمالية تعتمد التشكيل في لم شتات العينات الماثلة أمامه ليوظفها في رصد مكنونات نفسه تجاه العالم الخارجي كما في قصيدة “مصادفات”.

عُلا أحمد – علاء العطار