استئصال “الرحم” بين الضرورة الصحية والنظرة الاجتماعية وفي الحالتين الأنثى تحت الضغط!
ليندا تلي
يشكل استئصال الرحم مشكلة لأية أنثى، جسدياً ونفسياً، حيث تشعر بفقدان جزء من جسدها الذي يمثل أنوثتها، وإمكانية أن تصبح أم، ولكن للضرورة أحكام، خاصة لو كان هناك مرض خبيث، فالحياة هنا أهم من الأمومة، وبالنتيجة الأنثى هي الخاسرة في كلتا الحالتين.
هبّات ساخنة
بعد أن يتم استئصال الرحم مع الملحقات “المبيضين”، تعاني المرأة من الهبّات الساخنة التي وصفها الدكتور معتز اللحام استشاري التوليد والأمراض النسائية وجراحتها بأنها عبارة عن تبدلات في الأوعية الدموية تحدث فيها توسعات مفاجئة حيث يتوهّج الوجه ويصبح لونه أحمر وتشعر السيدة بحرارة مفاجئة وتعرّق غزير أحيانا وضيق تنفس في الحالات الشديدة، وهذا يعدّ أمرا عارضاً بسبب انحسار هرمون “الأستروجين” من الجسم الذي تتأقلم معه السيدة تدريجياً ويمكن أن يتدخل الطبيب بوصف بعض العلاجات المساعدة على تجاوز هذه الفترة الانتقالية.
استغناء
لا شك في أن الصدمة تكون أكبر عند الفتاة العازبة، لكن ما دام الأمر تمّ لمعالجة مرض طارئ أو تهديد لصحتها عليها أن ترضى بقدرها وتحاول أن تتجاوز أزمتها النفسية العابرة.
ويؤكد الدكتور اللحام أن تشخيص المرض في مراحله الأولى والخضوع للعلاج المناسب يمكن تجاوز مرحلة الخطر، ولكن عندما يصبح الرحم مصدر إزعاج مثل النزيف غير المسيطر عليه أو وجود أورام ليفية كبيرة تضغط على المثانة أو المستقيم أو وجود آفات خبيثة، هنا يجب استئصال الرحم، ولا يجوز مسايرة ضرورة المحافظة على الرحم في سبيل إنقاذ الحياة، فعندما نوازن بين الرحم والحياة تصبح الحياة هي الأقوى، والرحم يمكن الاستغناء عنه.
وردّا على تساؤلات بعض السيدات حول الاستعاضة بهرمون “الأستروجين” للتخفيف من مضاعفات استئصال الرحم التام، بيّن الدكتور اللحام أن ذاك محصور بحالات محدودة ويجب أن يتم تحت إشراف طبي دقيق.
فرص ضئيلة
يعدّ الرحم بالنسبة إلى المرأة عنوان أنوثتها في الكثير من المجتمعات، وفق ما ذكر الدكتور أحمد الأصفر أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق لما يؤدّيه من دور أساسي ومحوري في عمليتي الحمل والإنجاب بعد الزواج، وخاصة أن الوظيفة الأساسية للمرأة وفق المجتمعات التقليدية تكمن في عملية الإنجاب نفسها، فإذا ما تعرّضت المرأة لما يحول دون أدائها هذه الوظيفة فإن الأمر يمتد إلى دورها في المجتمع بصورة عامة، وتصبح فرص مشاركتها في الحياة الاجتماعية ضعيفة بدرجة كبيرة، عدا عن أن فرص زواجها تصبح ضئيلة أيضا لارتباط الزواج بالإنجاب في ثقافة تلك المجتمعات، وغالباً ما يترتب على ذلك تداعيات نفسية عديدة تظهر في القلق والاضطراب وعدم الاستقرار والخوف من المستقبل.
ويوضح “الأصفر” أن وظيفة الإنجاب ليست الوظيفة الوحيدة للمرأة حتى في المجتمعات التقليدية، فهي مصدر السعادة والسرور بالنسبة إلى الكثير ممن يرغبون بالزواج منها ولا يشعرون بالسعادة مع زوجاتهم اللواتي أنجبن أبناءهم، ما يجعل الوظيفة الثانية للمرأة لا تقل في أهميتها عن الوظيفة الأولى، لأنها تعطيها مكانتها بالنسبة إلى زوجها التي تجعلها متممة له بكل ما تعنيه صفة التكامل بين الزوجين، وعلى الرغم من محدودية فرص الزواج لكنها ممكنة، وتجد النساء اللواتي فقدن وظيفتهن الإنجابية فرصهن في الزواج بطريقة مختلفة في كثير من الأحيان.
ثلاثة تغيّرات
أما في العصر الحديث فيبدو أن الأمر مختلف تماما، والكلام لـلدكتور “الأصفر”، فعلى الرغم من أن وظيفة المرأة في الثقافة الاجتماعية السائدة في الكثير من البلدان، ومنها المجتمع العربي الراهن مرتبطة بعملية الإنجاب ما يجعل لمشكلة استئصال الرحم تداعيات نفسية عديدة بالنسبة إلى المرأة، غير أن التغيّرات التي أخذت تمس المجتمع والثقافة أنتجت وقائع جديدة مختلفة تماما عن الماضي.. ومن هذه التغيّرات اختلاف مفهوم الوظيفة الاجتماعية للمرأة، فقد أخذت تظهر قيمة المرأة بوصفها شريكة الحياة دون أن تنجب أطفالا بالضرورة، فاتسع عدد الشباب الراغبين في الزواج من المرأة التي تسيطر على مشاعرهم وأحاسيسهم دون أن تكون قادرة على الإنجاب بالضرورة، ودون النظر إلى العادات والتقاليد التي تمنع الزواج دون إنجاب، وعلى الرغم من أن هذه الشريحة من الشباب تعد قليلة إذا ما تمت مقارنتها مع الشريحة التقليدية منهم لكنها أوسع بكثير مما كانت عليه في الماضي.
والتغيّر الاجتماعي الثاني، أن عملية الزواج لم تعد كما كانت في الماضي من حيث الضرورة بالنسبة إلى المرأة، وخاصة بعد انتشار ظاهرة “العنوسة” التي تحول دون زواج الكثير من الفتيات اللواتي يتمتعن بقدرات إنجابية عالية، لكن ظروف الحياة ومشكلاتها تحول دون زواجهن ودون زواج الشباب أنفسهم في الوقت نفسه. ويلاحظ أن الامتناع عن الزواج بسبب عدم القدرة على الإنجاب (ومنها مشكلة استئصال الرحم) يعد ضئيلا للغاية إذا ما تمّت مقارنته مع الامتناع عن الزواج لاعتبارات اجتماعية واقتصادية ومعيشية، وظاهرة “العنوسة” لأسباب اقتصادية واجتماعية أكبر بكثير من ظاهرة “العنوسة” بسبب استئصال الرحم.
أما التغيّر الاجتماعي الثالث، فيظهر في اختلاف دور المرأة نفسها على مستوى المجتمع، فإذا كان هذا الدور مرتبطاً في الماضي بوصفها أمّاً للأطفال ومربّية لهم، فقد بات دورها اليوم مرتبطاً بوظيفتها الاجتماعية والعمل الذي تؤديه في بنية المجتمع، فهي اليوم مهندسة في المعمل، وطبيبة في المشفى، وأستاذة في الجامعة، بالإضافة إلى مئات المواقع الوظيفية التي تمارسها حسب كفاءتها المهنية دون النظر إلى قدرتها الإنجابية.
بالمحصلة، عندما يستقرّ في وعي المرأة أن دورها ومكانتها في المجتمع باتت مرتبطة بالوظيفة التي تؤديها في إطار عملها تصبح مشكلة عدم الإنجاب صغيرة إذا ما تمت مقارنتها مع ما تتطلع إليه من دور اجتماعي يمكن أن يكون ضامناً لها في حاضرها ومستقبلها على حد سواء.