حكاية العمل الأدبي الأول.. التجربة الأجمل ولحظة استثنائية
جمان بركات
يشكّل النتاج الأدبي الأول من شعر أو قصة أو رواية أو كتابة مسرحية في مسيرة الكاتب نقطة انطلاق حقيقية لمشروع إبداعي متكامل، ووفق الدراسات التي رصدت تلك الحالات فإن نقطة الانطلاق الأولى لأي مبدع هي التجربة الأجمل والأقرب إلى قلبه، لما تحمله من مضامين وأفكار وتطلعات قد تلازمه مدى مشروعه الإبداعي، وربما يتغيّر منهجه لاحقاً حينما يجد نفسه في مساحة محدّدة من الإبداع الأدبي، وبقدر ما تحمل هذه التجربة من أهمية وعمق وصدق في إيصال أفكار الكاتب إلى المتلقي، بقدر ما يتحقق نجاح الكاتب واستمراريته، فهي بمثابة جواز مروره إلى عالم الكتابة والإبداع، كلحظة استثنائية يعيشها الكتّاب جميعاً، ولكن رغم ما يصاحب هذه التجربة من سعادة وغبطة للكاتب، نقرأ أيضاً حالة من الخوف تنتابه عند خوض المغامرة، حيث يعيش الكاتب لحظات الترقب والخوف كيف سيتقبّل الوسط الأدبي هذا المنتج وكيف سيحضر في ميزان النقد؟ هل سيحتفون به؟ أم سيوجّهون سهامهم إليه؟ هي أسئلة توجّهنا بها إلى عدد من الأدباء من شعراء وروائيين وكتاب قصة ورسامين للوقوف على الإحساس الذي عاشوه مع إنجازهم الإبداعي الأول والظروف التي عاشوها قبل ولادة المنجز وبعدها؟ وإلى أي مدى كان منجزهم هذا بداية لإكمال مشروعهم الأدبي ومشجعاً لهم؟.
الركيزة الأساسية
نشر الفنان رامز حاج حسين أول عمل له في مجال ثقافة الطفل تحديداً بتاريخ (١ نيسان 1997) وهي الركيزة الأساسية في انطلاقته، وعنها قال: كانت مغامرات أبو حمدو (سيناريو ورسوم) على صفحات مجلة أسامة، كنت حينها طالباً في الفنون الجميلة بعامي الأول حيث تبنّى تعليمي وتدريبي على رسوم الأطفال المعلم الأول وصاحب الفضل الكبير الفنان سرور علواني، وحين أحسّ مني التمكّن الذي أراده أرسلني مع ورقة كتب فيها: “موهبة تستحق الرعاية” إلى الأديبة الكبيرة دلال حاتم، التي استقبلتني بدورها بكل حفاوة وأفسحت لموهبتي تلك مساحة قلّ نظيرها لشاب بعمري في البدايات، فكانت لي صفحتان من تأليفي ورسومي لمغامرات الشخصية الريفية أبو حمدو ورفيقه المشاكس عجاج.
وأضاف حاج حسين: لم يكن خوفاً بقدر ما كان ركوباً لموجات الحلم والتماهي معها، فصرت أشدّ الورق المقوى وأغرقه بتفاصيلي وأعيش مع شخصياتي كامل طقوس الوله والشغف، ولا زلت مداوماً على طقس الحوار مع مكنونات رسومي من أبطال وأماكن، شغف الخطوة الأولى من الخطر أن يخبو، لذلك أدعمه بالتواصل الدائم مع الطفل الكامن في داخلي، مشاغباً مغامراً مشاكساً وفطرياً، أدمنته ولا أريد منه انفكاكاً.. ويبقى أبو حمدو وطقوسه جسر وصل أمين بيني وبين الناس من حولي، الأطفال والكبار منهم، فكل شخص بالغ في محيطي أعامله على نحو ما أفهم الطفل الكامن في داخله، وهذه متعتي في درب الكتابة وفنونها والرسم وفنونه.
“وتترنح الأرض”
قد يكون اهتمام الأديبة دعد ديب الأساسي في مجال النقد والنقد الروائي تحديداً، ولكن الآداب والفنون -حسب قولها- تتبادل حضورها وتمتد لتقترب من بعضها بأكثر من مجال، فكثير من الأدباء مارسوا الكتابة في أكثر من جنس أدبي، هي لحظة الكتابة والإلهام تملي علينا الجنس الأدبي الأكثر إلحاحاً على ذواتنا، وتابعت بالقول: لا أنكر التوجّس والترقب الذي شعرت به غداة نشر روايتي الأولى “وتترنح الأرض” عام 2019، خاصة وأنني اعتبرت نفسي أخوض نمطاً تجريبياً لا أدّعي السبق به وإنما هي محاولة لا أكثر، وهذا التوجس لديّ ليس خوفاً من ردود الأفعال واستقبال الرواية لدى الآخرين، فهذه المسألة ليست معياراً للعمل، وكثير من الأعمال قبعت في الأدراج طويلاً قبل أن تأخذ حقها من الانتشار، لأنه ناجم عن احتمال تغيّر رؤيتي الشخصية للعمل بعد أن يطلق للعلن ويصبح مستقلاً عني، فكل كاتب تنضج أفكاره وتزداد معارفه مع مرور الوقت وبالتالي تتغيّر رؤيته للأمور مع الزمن، وأنا أعتقد أن الكاتب على مدار تجربته في الكتابة يحاول الوصول إلى نقطة ما أو فكرة يهجس بها وتقبع في أعماقه، ومجمل كتاباته عبارة عن مقاربات للوصول إلى تلك الفكرة، أحياناً يقترب منها وأحياناً يبتعد عنها، وغالباً أرى أن الكاتب لا يسيطر على نصه بشكل ناجز وإنما هي شحنة من المشاعر والأفكار يطلقها كتابةً ضمن موجة من اضطرام الأفكار والأحاسيس التي تعصفُ به، يحمّلها لشخوصه التي يتخيّل حضورها، ومن المؤكد أن لا شيء يخلق من لا شيء، فهي بالنهاية حصيلة ثقافته ونتاج معارفه وخبرته الشخصية والحياتية مجتمعة، وقد يفشل في عكسها على تجربته الأدبية وقد ينجح.
كاتب جديد
بدوره قال الأديب عبد الله النفاخ عن عمله الأدبي الأول: صراحة كان العمل الأول مشكلة من جهتين، الأولى تقبّل دور النشر لكاتب جديد، وهذا امتحان حقيقي لأن دار النشر تضع في اعتبارها خسارتها المادية والمعنوية إن لم ينجح العمل، وإحدى دور النشر الكبرى عرضتُ عليها عملي الأول فأجّلتني عاماً ونصف العام، يبدو أن صاحبها عرضه على قراء اختلفوا في شأنه ولم يشأ أن يصارحني لصداقتي معه، فعرضته على دار سين التي وافق صاحبها خلال يومين وتحمّس جداً للعمل.
وجهة الإشكال الثانية أنني من بيئة تراثية علمية، وعليه فقد بدا غريباً على بعضهم أن أنحو نحو أجناس الكتابة الحديثة، وأن يكون عملي الأول في هذا المجال، لكنني أصررتُ على التحدي.
والعمل وهو مجموعة (وردة عند الغروب) القصصية كان مجموعة قصص كتبت ما بين عامي ٢٠١١- ٢٠١٨، أي إنها كتبت في مراحل متباعدة، ولذا فقد تنوّعت أغراضها وصياغاتها، لتباعد المدة ما بينها واختلاف الظروف والخبرة.
وشخصياً فاجأني الاهتمام الذي حظي به العمل، حتى إنني بعيد حفل التوقيع لم أكد أصدق ردات الفعل المثنية على عمل هو الأول، على أنني لم أتوقع ذلك الصدى مطلقاً عند تحضيره، وإن يكن بعض الأصدقاء قد توقعوه حين اطلعوا على بعض النصوص المدرجة فيه.