قدسية المناسبة… وأهداف متجدّدة
في حضرة الجلاء لا بدّ من التأكيد على أهمية أحياء هذه المناسبة، وجعل كل المناسبات الوطنية طقوساً لا تختلف عن طقوس أي عيد تعيشه كل الأجيال، ولاسيما الأجيال الشابة التي يجب أن تبقى على وعي مستمر لأهمية ربط الماضي الاستعماري القديم لدول الغرب بحاضرهم النيو ليبرالي المقنّع؛ حتى يتمكن هذا الجيل من إعداد العدة لما هو آت غداً ومستقبلاً.
في الجلاء عاشت البلاد فرحتها بعد طرد الاستعمار الفرنسي القديم والمباشر، وكسر كل سياسات التبعية الثقافية والاقتصادية التي لطالما حلم الاستعمار بتحقيقها.
لكن عظمة الجلاء لا تعني الوقوف فقط عند هذا اليوم، وهو بلا شكّ يمثل نبراساً منيراً لطريق طويل يحتاج التحلي بكل القوة والصبر، بل لا بدّ من مواصلة طريق أمجاد الجلاء، فما تبع ذلك اليوم كان حافلاً بمحطات تاريخية عاشتها سورية كللت نصر الجلاء، من الوحدة مع مصر وثورة الثامن من آذار والحركة التصحيحية وحرب تشرين التحريرية، حيث تتكامل صورة تلك المنجزات في ظل قيادة السيد الرئيس بشار الأسد لجيشه وشعبه في معركة دحر الإرهاب عن سورية، ومساعدة الآمنين في التفلت من سطوة الخارجين عن القانون الذي أرادوا استعبادهم واستخدامهم في الحقد والإجرام بالترهيب والترغيب والتهديد لإظهار جو من التشتت والشرذمة التي لا تمثل الشعب السوري، بدليل سرعة عودته بكل أطيافه إلى مظهره الوطني المتسامح المعروف بعد تحقيق النصر على الإرهاب وجلاء قطعانه عن معظم ثرى الوطن.
في هذا اليوم أيضاً على الجيل الشاب أن يعي أن الغرب حلم كثيراً بفصل سورية عن مصر، فظنّ أنه نجح بذلك عبر زرع كيانه الصهيوني الفاشي بينهما، وما يزال حتى اللحظة يغذي ذلك الكيان المتسول بالمال والسلاح لإتمام المشروع حتى لو تمّ ذلك بطريقة الإبادة الغربية المعروفة عبر التاريخ. كما تابع تلك الأحلام الأمريكي الواهم بفصل سورية عن العراق عبر سعيه لقطع حدود البلدين وشرايين الإمداد التجاري والاقتصادي فيما بينهما. ناهيك عن أحلام “إمبراطورية” رجل أوروبا المريض التي يتزعمها نظام أردوغان التائه بين الفكر التكفيري الرادكالي والإنبطاح للمشروع الغربي، وأحلام التوسع والاحتلال في الأراضي السورية.
والأخطر من ذلك أن جميع أولئك لا يريدون هذا النهوض غير المسبوق والعودة السريعة لسورية في ممارسة دورها المحوري كقلعة لا يمكن تجاوزها في الشرق الأوسط، ولا يمكن فصلها عن جملة الصراعات التي تشهدها المنطقة والعالم بأسره؛ لطالما آثرت التحدي والانضمام إلى عالم يسوده التعادل في العلاقات الدولية وكسر القطبية واحترام ودعم كل حركات التحرّر من الأرض المحتلة وصولاً إلى أمريكا اللاتينية.
نعلم جيداً أننا في منطقة جغرافية هي الأخطر والأكثر شدّة في الصراعات؛ لدرجة أن قوى محور العدوان أرادوا أن يتحكموا ويرسموا حتى طريقة أنفاس شعوبها، لكن مفاجآت الأيام -ورغم تزايد التحديات- كشفت وستكشف الصفعات تلو الصفعات من شعب سورية الأبي ومن شعوب حلفاءها المقاومين لذلك المحور الاستعماري، وتحويلاً عملياً لكل الشعارات في المنطقة إلى حقائق ووقائع ستثبت لذلك المحور كم كان واهماً، وكم ساهمت غطرسته بإيقاظ الوعي الكامن في قلب وعي الشعب السوري خصوصاً، وكل قوى المقاومة عموماً، والتي أصبحت قطباً قوياً يحاصر بوعيه الراسخ، بل وبمئات ألوف الصواريخ والمسيّرات قلب مصالح الغرب وقواعده الاستعمارية يوماً بعد يوم وصولاً إلى صورة متجدّدة للجلاء تبدأ بتحرير الأرض السورية وكل الأراضي العربية من الاحتلال والوجود الاستعماري غير الشرعي فيها.
بشار محي الدين المحمد