دلالة الرمان في معرض يمام غنوم الأول “الخلاص”
ملده شويكاني
حبات الرمان التي ارتبطت بالأساطير الفارسية بشخصية البطل “إسفنديار” وبالأساطير الإغريقية مع ربة الجمال “هيستيا بولبيبوس” كما كانت إحدى رموز التراث الأرمني المعبّرة عن الحياة، وظّفتها الفنانة التشكيلية يمام غنوم في لوحاتها بأسلوبها التعبيري بمعرضها الفردي الأول بعنوان “الخلاص” الذي أقيم في متحف الفن في دمر بالتعاون مع الغرفة الفتية الدولية دمشق- مشروع صناعة الإبداع السوري، بمشاركة فرقة دمشق الدولية وحضور وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح وحشد من الفنانين والمهتمين.
وقد هيمنت الألوان القاتمة على جزء كبير من اللوحات التي عكست بدلالات تعبيرية أوجاع الفقد والتشتت والضياع، مبتعدةً عن المباشرة ومكتفيةً بعناصرها الرمزية مثل الزورق والصوص وجذع الشجرة والنافذة، ومركزةً على التداخل والتماوج اللوني ليكون الحامل الأساس للمضمون، ولاسيما لون خشب الجوز المحمر، ومستخدمةً تقنية الكولاج بفنية مدروسة لقصاصات صغيرة لرسومات الأطفال والأشخاص، لا تتجاوز السنتيمترات، ومختفيةً في زوايا اللوحة لتشد المتلقي إلى قراءتها.
رسمت غنوم المشهدية ضمن رؤيتها بالجذب إلى الأبعاد ضمن المدى البعيد والقريب، فكان طريق الخلاص واضحاً بالخروج إلى فضاء آخر بأساليب متعددة، ففي إحدى اللوحات جسدت مأساوية غرق الأطفال بالبحر برمزية الصيصان وحبات الرمان المعلقة بالشجرة وبدلالة اللعبة ومواجهة الموت بالبحر، وفي لوحة أخرى تهاوى غصن الرمان نحو الأرض وسط ضباب كثيف يخفي وجوهاً بعيدة، لتومئ صورة الأنثى بالكولاج في جانب اللوحة إلى الانتظار المنهك، بينما كان خوف الأنثى واضحاً في لوحة أخرى تتطلع فيها إلى الخلاص لعالم آمن بوجود حبة الرمان وبوميض ضوء وغصن الزيتون.
كما تميزت لوحة جدارية جسدت فيها مشهدية جميلة لواجهة منزل ريفي تطل نافذته على فناء رحب أخضر يزينه جذع شجرة كبيرة، ولكن الألوان القاتمة تشغل مكانها في مواضع من اللوحة.
وفي زوايا أخرى، رسمت البورتريه لأنثى ضمن السياق التراجيدي لمضمونها بالخلاص، بالإضافة إلى لوحات اتبعت فيها رسم الطبيعة الصامتة البحتة موظفة في أحدها حبات الثوم.
ولا شك بأن التنسيق والعرض في بناء متحف الفن الرائع بشكله اللولبي أضفى جمالاً على اللوحات.
كما توقفت “البعث” مع الفنانة يمام غنوم ابتداء من العنوان فأوضحت: “إنه يعني حالة المخاض، وبالمعنى اللغوي الانتهاء من مرحلة صعبة والانطلاق ببداية جديدة، وأردتُ التعبير عن صلة روحية بين المعنيين”، أما عن حبات الرمان، فبيّنت أنها استخدمتها كـ”كركتر” لشخصية يختلف من لوحة إلى أخرى، فأحياناً تدل على الغرور والتعالي وعن الوجع، وأحياناً تقترب من الواقع الذي عشناه فتشبه القذائف، وفي مواضع طبيعة صامتة.
أما عناوين اللوحات فجاءت متنوعة ومختلفة، فهناك لوحة بعنوان “الطوفان” وأخرى “بقايا حرب” و”العروس”، كما أطلقت عنوان “نصف حلم” على الجدارية، وقد جمعت فيها بين الحلم والواقع.
وفيما يتعلق بالتقنية، نجد أن غالبية اللوحات” ميكس ميديا” استخدمت فيها الكولاج والإكليريك والأحبار، وزيتي مع كولاج، بالإضافة إلى مجموعة بالألوان المائية.
وخلال تجوالها في أرجاء المتحف، تحدثت الدكتورة مشوّح مع الصحفيين حول الفنانة التي عاشت معاناة الحرب الإرهابية على سورية مثل كل الشعب السوري، وهذه المعاناة انقلبت عطاء بلوحاتها التي تنم عن بعض السوداوية وعن هواجس مرعبة نتيجة دمار الحرب، ولكن من جانب آخر توجد زوايا حميمية مدروسة وبقع ضوء وعلاقات إنسانية تنبئ بمستقبل حافل بالعطاء، كما تمكنت من لعبة الألوان التي برعت بها.
ورأى الدكتور عبد الناصر ونوس الأستاذ في كلية الفنون الجميلة أن المعرض الأول قرار كبير للفنان، لذلك كانت حذرة، مبيناً: “شعرتُ من لوحات يمام بأن شخصيتها تغيرت، فيمام الفنانة تختلف عن يمام الطالبة، من حيث التفكير وترتيب الرؤية الخبرة والتقنيات المستخدمة، ونرى نتاجاً جيداً وجميلاّ بالنهاية الفن قيمة تراكمية تنتج بناء على كم هائل من التجارب، ومن الواضح أنها تجرب، وتجربتها ستحمل أفقاً لنتاج أكثر جدية وجمالاً”.
أما الفنان موفق مخول، فأشار إلى أن الفنانة تمكنت من تأليف لوحة جميلة خاصة فيها، بحداثة ولون جميل وتكوين فني يحمل فكراً ورسالة، مستخدمة تقنيات وأساليب عدة بمعرض تميز بجرأة وبحث وثقافة.
بدوره، قال الفنان سامر الصعيدي إن الأعمال متنوعة وتدل على تجربة مهمة، تميزت بكسر نمط التقليدية في بعض الأعمال الحديثة والمركبة، ما أضاف غنى للمعرض.
والد الفنانة الدكتور محمد غنوم الأستاذ في كلية الفنون الجميلة أوضح أن يمام لها شخصية فنية مستقلة، وأسلوبها تعبيري مختلف عن مساره الفني، وقد أضافت الكولاج لتستنطق اللوحة وتصبح أكثر تعبيرية، وتمكنت من السيطرة على الألوان الكثيفة بالعمل الواحد، وهذا ليس سهلاً.
وختاماً مع محمد جهاد الهندي رئيس مجلس إدارة الغرفة الفتية الدولية في دمشق، فتحدث عن نشاط مشروع الإبداع السوري الذي يعمل على التعاون الدولي، ويقوم بإيصال فكرة صحيحة عن الفن ورسالته، وكيفية بنائه وانطلاقته، وتقديمه للجمهور، من خلال اهتمامهم بأربع محطات، ومحاولة دمج كل محطة بالتالية، وحالياً البداية ـ كما أوضح ـ مع الفن التشكيلي والموسيقا.