الاقتصاد الروسي قويّ وراسخ رغم العقوبات الغربية
ريا خوري
لم يتوقّع الغرب الأوروبي – الأمريكي أن تصمد روسيا بعد عامين من فرض العقوبات الاقتصادية الجائرة بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
فقد أثبت الاقتصاد الروسي قوته على نحو مدهش مرّة أخرى، حيث أفادت التقارير والإحصائيات والتقديرات الأولية، بأن الاقتصاد الروسي بات أكثر قوة من ذي قبل، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 3.6% عام 2023، وهو أسرع بكثير من القوة الاقتصادية في جميع دول الاتحاد الأوروبي الكبرى وما حولها من دول أخرى.
وكانت وسائل الإعلام الروسية قد أوضحت بدقة حالة الوضع الاقتصادي الروسي، إذ قدّم الرئيس فلاديمير بوتين شرحاً مفصّلاً حول نموّ الناتج المحلي الإجمالي الروسي في نهاية عام 2023 الماضي إلى 3,6%، وهذا تعبير عن الردّ الحقيقي لكل سياسات الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية التي فرضت العقوبات الاقتصادية الكاسحة منذ اندلاع الصراع بين الطرفين على الأراضي الأوكرانية في 24 شباط 2022م، حيث وصل عدد العقوبات إلى نحو إحدى عشرة حزمة عقوبات تشمل أكثر من ألف وثمانمائة وثلاثين كياناً وفرداً، والتوقعات الغربية الأمريكية الأوروبية السلبية المسبقة لأداء الاقتصاد الروسي، بينما أكد البنك المركزي الروسي أن الدَّين الحكومي الروسي قد انخفض من ستة وأربعين مليار دولار، إلى اثنين وثلاثين مليار دولار أمريكي، كما انخفض الدين الخارجي الخاص من ثلاثمائة وسبعة وثلاثين مليار دولار، إلى مئتين وسبعة وتسعين مليار دولار أمريكي، وازداد الناتج الصناعي، وناتج الصناعات التحويلية بنسبة كبيرة وصلت إلى 3.6% و7.5% على التوالي. وارتفع استثمار رأس المال الثابت بنسبة عشرة بالمائة، وارتفعت ربحية الشركات التجارية بنسبة أربعة وعشرين بالمائة، وكسبت البنوك الروسية أرباحاً هائلة زادت على ثلاثة تريليونات روبل روسي أي ما يعادل أربع وثلاثين مليار دولار. وبينما زادت رواتب الموظفين والعمال لمقابلة نسبة التضخم البالغة نحو سبعة ونصف بالمائة، وتوقّفت نسبة البطالة عند أدنى مستوياتها، وهو ثلاثة بالمائة. لقد ذهبت معظم المؤسسات المالية العالمية بعيداً عن الحقيقة في محاولة فاشلة منها لإضعاف الاقتصاد الروسي من خلال القيام بمزيد من الإجراءات المالية القاسية في معظم دول العالم، وكان صندوق النقد الدولي قد أصدر أرقاماً جديدة لبنية الاقتصاد الروسي بهدف تغيير الحقائق، لكن كبار خبراء الاقتصاد الأمريكي أكّدوا أن الاقتصاد الروسي آخذ في الارتفاع، بما فيهم البنك المركزي العالمي وصندوق النقد الدولي على الرغم من العقوبات غير المسبوقة في تاريخ البشرية التي فرضتها الدول الغربية على روسيا.
هذه النتائج المذهلة فاجأت ليس الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية فقط، وإنما حتى الاقتصاديين المشتغلين بقضايا الاقتصاد الدولي، وأسواقه المختلفة، الذين بدؤوا بالبحث عن الطرق والأساليب الناجحة التي اتبعها الخبراء الاقتصاديون الروس للتغلب على عاصفة العقوبات الغربية، بأقل الأضرار. فعلى صعيد العوامل الداخلية التي لا يختلف عليها معظم هؤلاء، أنه بخلاف ما تملكه جمهورية روسيا الاتحادية من ثروات وموارد طبيعية، وقدرات العالية لصناعاتها، وقطاعها الزراعي، فإن صمود روسيا الاتحادية يُنسب أيضاً إلى التطور الكبير في مجال العلوم والتكنولوجيا، فهي واحدة من الدول القليلة جداً التي لديها محرك بحث خاص بها، تسترد من خلاله إيجاد كل الحلول لمعظم الصعوبات والعقبات، حيث يعدّ محرك البحث (ياندكس Yandex)، وهو محرك بحث وبوابة ويب قويان يقدّمان خدمة البحث السريع جداً على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، والعديد من الخدمات الأخرى المهامة جداً مثل الملاحة والخرائط، ووسائل النقل العام وسيارات الأجرة، ووسائل الاتصالات، والموسيقى والطقس، وغيرها) وشبكاتها الاجتماعية الخاصة.
أما في شأن العوامل الداخلية، فإن لدى جمهورية روسيا الاتحادية احتياطيات هائلة من جميع، أو معظم الموارد الطبيعية الرئيسية التي تستخرجها لتأمين احتياجات الطلب المحلي أساساً، وتصدير الفائض ثانياً، كما يوجد لديها صناعات مهمة متطورة جداً في جميع المجالات الاقتصادية، ساهمت العقوبات الجائرة في إنعاشها وإنشاء صناعات إحلالية نوعية جديدة أخرى للعديد من المنتجات المستوردة. ولديها أيضاً قطاع زراعي كبير ومهم جداً يلبّي حاجة السوق الروسية الداخلية من الغذاء، ويتم تصدير ما يفيض عن حاجته وهي كميات ضخمة جداً، باستثناء نشاط الحفاظ على الثروة الحيوانية وتربيتها بشكلٍ مناسب، وتحاول روسيا الاتحادية تعويض النقص الكبير فيه بالاستيراد من الخارج.
الجدير بالذكر أنّ روسيا الاتحادية تمكّنت من إنشاء نظام مالي متطوّر جداً خاص بها، وهذا النظام يضمن تداول تدفقات الأموال عندما تكون البلاد معزولة عن أنظمة الدفع العالمية. فقد أنشأت روسيا الاتحادية بنكاً روسياً قوياً (البنك المركزي الروسي)، وذلك في أعقاب فرض العقوبات الأمريكية والأوروبية عام 2014، ضدّها وهي الشركة المساهمة الوطنية لنظام بطاقات الدفع التي أطلقت بطاقات نظام الدفع مير «Mir»، وهو نظام روسي مهم جداً.
وتقوم العديد من الشركات المالية الروسية بمعالجة المدفوعات المحلية التي تتم في داخل روسيا الاتحادية باستخدام بطاقات أنظمة الدفع الدولية، ويتم من خلالها اثنان وخمسون ونصف بالمائة من جميع معاملات البطاقات المحلية في روسيا الاتحادية، وواحد وخمسون وسبعة بالمائة من إصدارات بطاقات الدفع الدائنة والمدينة. وفي عام 2019، أطلق بنك روسيا المركزي نظام المدفوعات الأسرع، ضمن حزمة تقنيات وخدمات دفع مالية متطورة، ما سمح للأفراد بتحويل الأموال الخاصة بهم على الفور إلى بعضهم باستخدام أرقام الهواتف المحمولة (الموبايلات)، ودفع ثمن المشتريات، وإجراء مجموعة واسعة من التحويلات الأخرى، ودفع فواتير الخدمات الخاصة بالمواطنين الروس.
لقد تمكّنت روسيا الاتحادية من إنشاء مئتين وواحد وعشرين بنكاً حتى شهر كانون الأول العام الماضي ٢٠٢٣م. تلك البنوك تستخدم نظام الدفع الفوري، أو نظام الدفع الأسرع (SBP) فقد تمكّنت تلك البنوك من تحويل أكثر من عشرة مليارات وثلاثمائة وواحد وعشرين مليون معاملة بقيمة أربعة وسبعين تريليوناً وأربعمائة وثلاثين مليار روبل روسي.