أخبارصحيفة البعث

البقاء للأصلح في “الأغلبية العالمية”

بشار محي الدين المحمد   

ما زال العالم يشهد مجموعة من التوترات المتصاعدة، بالتوازي مع مخاض لمعايير عالمية توافق مسيرة الأمم والحضارات، وتناقض القيم الأخيرة التي حاول الغرب إرساءها منذ ما يربو عن ثلاثة عقود بشكل أوصل العالم إلى ما هو عليه اليوم من أزمات.

لقد كان من أخطر الأمراض التي بثّها الغرب هي الإرهاب، بدليل أنه أخذ طابعاً موحداً ومتجانساً بغضّ النظر عن الحيز الجغرافي الذي تتواجد فيه قطعانه، فسورية عندما قضت على تنظيماته، لم تكن تقاتل “معارضة” أو “معارضة مسلحة” كما ادعى إعلام الغرب، ولم تكن تدافع عن نفسها، بل كانت تقاتل خطراً يتهدّد العالم بأسره من مجموعة إجرامية تمكنت من إبعاد السلطات المحلية عن مناطق عديدة لإجبار أهلها الآمنين على القتل وحمل السلاح بعد ترويعهم.

كما أن روسيا عندما حاربت الإرهاب في سورية لم تكن تدعم الدولة السورية، بل كانت تدافع عن نفسها وعن كيانها، والأمر سيان عندما حاربت النازية على تخومها، فقد كانت تحارب الإرهاب والفكر الرجعي المريض ذاته الهادف إلى “تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ” عبر زرع العداوات بين شعوب لم تجمعها يوماً سوى الوحدة والتعايش والثقافة الحضارية، مستخدماً مجموعة من الأقنعة والألوان والذرائع الواهمية التي سوّقها الإعلام الغربي.. ذاك الإعلام الذي لطالما افتخر بأنه يسيطر على 75% من الإعلام العالمي، والذي لم يعد الآن مقنعاً حتى لشعوب الغرب ذاتها؛ بعد أن أيقنت ما أوصلها إليه من تصفير لمنجزات الحضارة الغربية، وقوتها التي استحالت انحلالاً بفعل فساد سياسييهم الذين أنشأوا هذا الإعلام بحثاً عن أمجادهم الشخصية فقط.

إن أبلغ الأدلة على فشل تلك الماكينة الغربية الصدئة يكمن اليوم في عجزها عن تحشيد الرأي العام الشعبي والسياسي العالمي، بل حتى الشعبي الغربي ضدّ العملية الخاصة الروسية، أو قدرتها في سرقة أنظار شعوب وساسة العالم، والشعب الغربي عمّا يجري من مجازر صهيو-أمريكية، وصهيو-غربية في الأرض المحتلة، لتنقلب جهودها إلى تأييد شعبي وسياسي على مستوى قارات العالم لأحقية روسيا في الدفاع عن وحدة وسلامة أراضيها وشعبها، وأحقية الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس.

لقد كان اللقاء السياسي الفكري الذي جرى أمس بين السيد الرئيس بشار الأسد، ووزير خارجية أبخازيا حول “الأغلبية العالمية” رسالة واضحة المعالم من حيث الدلالات، ومن حيث التوقيت، وبمثابة إعلان عن مرحلة جديدة من القوة والمناعة غير المسبوقة على صعيد اكتمال رسم عالم الغد الأسرع صعوداً لتلك الأغلبية، والأكثر سرعة في الانحدار للمركزية الغربية.

وخلافاً لما يظن البعض فمنطق الطبيعة لم يقل، “البقاء للأقوى”، بل، “البقاء للأصلح”، وفي تطبيق ذلك على واقع هذا العالم نجد أنه لدينا فكر أغلبية عالمية هم الأكثر غنىً بالموارد، والتقنيات، والقوة، والوطنية، واحترام قواعد القانون الدولي، والسعي المشترك نحو الأمن الجماعي، وتحقيق التنمية المستدامة للجميع… هذا الفكر هو من يسود، أما ما دون ذلك من أشكال بائدة شوهاء للعلاقات الدولية المتشابكة والمتوترة والناهبة للموارد، كما كل الأحلاف مثل “الناتو” وأشباهه في القارات وقطعان مرتزقته من الإرهابيين والنازيين، ستؤول إلى الزوال لأنها تحمل بذور فنائها في باطنها الفاشي الكاره للآخر.