ثقافةصحيفة البعث

صمود غزة في “يوم الأرض” بين التعبيرية والسريالية

ملده شويكاني

“قتل الزهور لن يؤخر الربيع” هذا ما كتبه محمد خليلي ليوقع به بالأبيض المخضب بالدم على صورة رضيع شهيد مكفن بدمائه، في الـ”بوستر” الذي صممه بتقنية الغرافيك ليظهر تعمد الكيان الصهيوني قتل أطفال فلسطين، وليكتمل المشهد مع اليد التي تقبض على الأسلاك الشائكة في العمل الفوتوغرافي لرهف الجلاد في معرض “يوم الأرض- 2024” الذي أقامه الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين ـ فرع سورية بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية في صالة الشعب.

وتزامن الاحتفال بإحياء ذكرى يوم الأرض 1976، الذي احتج فيه الفلسطينيون على مصادرة الأراضي، وعلى سياسة القمع التي يقوم بها الكيان الصهيوني مع استمرار مقاومة غزة وصمودها، فكانت حاضرة في غالبية الأعمال، سواء بالمباشرة أم بخلفية عناصر اللوحة الفلسطينية برموزها الكنعانية، منها لوحة سامر قاسم التي جسد فيها سلسلة الشهداء الأطفال خاصة بأكفانهم على شكل طولي يشبه السمكة تمسك بها يد أنثى تظهر جزءاً من كم الثوب الفلسطيني على خلفية متدرجة بألوان الدم، بالإضافة إلى التراث بشقيه المادي واللامادي الذي يقف في وجه محاولات التهويد.

وحفل المعرض بتنوع وتجدد بالأساليب وبابتكار أفكار لأعمال مركبة ضمن الواقعية والتعبيرية والسريالية، التي اتخذت طريقها إلى بعض اللوحات بأبعادها العميقة مثل لوحات فتحي صالح برمزية اليد وموفق السيد الذي جسد بدلالة الدخان الكثيف الأوضاع الصعبة والجرائم التي ترتكب بالمخيمات على مرآى من العالم.

كما تميز بمشاركة الفنان مأمون الشايب المغترب في أوروبا الذي جسد بلوحتين فناء المسجد الأقصى ومفردات التراث بطبق القش ورمزية الثوب الفلسطيني، وأعرب عن فخر الفلسطينيين المغتربين في أوروبا بصمود غزة ومقاومتها بالقول: “نحن الآن نفتخر أكثر من أيّ زمن مضى بصمودنا رغم أن جراحنا عميقة، لكننا ننتظر اليوم الذي تكون فيه فلسطين حرة”.

وشكّل الثوب الفلسطيني المحور الأساس في لوحة الفنان الكبير محمد الركوعي من أبناء غزة برسمه ست نساء تتوسطن اللوحة بأثوابهن الفلسطينية المختلفة بألوانها وزركشاتها من منطقة إلى أخرى من مدن فلسطين على خلفية شُغلت بدقة بتقاطعاتها وألوانها وخطوطها المتداخلة برمزية الهياكل والسمكة، مبيّناً أن مساره الإبداعي لا يؤطر بمدرسة معينة مستخدماً الإكليريك ومواد مختلفة، ومضيفاً أن: “شعبنا يرسم بالدم ونحن نرسم بالألوان، وسننتصر وسنبقى وهم سيرحلون”.

وعقب سامر الصعيدي من أبناء غزة الذي خصّ مدينته وشعبه المحاصر والذي تهجر قسم منه، وقسم آخر أصبح أشلاء ممزقة، وعلى الرغم من ذلك مازال الأمل موجوداً، فلوّن جباه الوجوه البائسة المعذبة، التي جسدها بأسلوبه التعبيري بكثافة طبقات اللون الأبيض على الخلفية القاتمة.

وشارك علي جروان بعمل اسمه “الحلم”، بأسلوبه الذي يدمج فيه عناصر النضال الفلسطيني ورموزه، موضحاً التلاحم الديني بأسلوبه التعبيري، ومتقصداً إظهار التباين بين الألوان الحارة والباردة تعبيراً عن النصر، يقول: “كل أم فلسطينية تحلم بالنصر، الأم التي أنجبت الشهيد والأسير والطفل الذي ينهض من تحت الأنقاض فداء المقاومة”.

وشارك باسل جود بعمل يجمع بين التعبيرية والواقعية لبيوت فلسطين بجانب صورة شقيقه الراحل الفنان غسان جود، وبشيء من السريالية وبوجود ساعة في أرضية اللوحة تشير عقاربها إلى التاسعة والنصف لحظة اغتياله، يوضح: “أحداث القضية الفلسطينية مترابطة وأحداث غزة ليست انتصاراً لفلسطين فقط، إنما انتصار للعالم العربي”.

وعنوّنت حنان محمد لوحتها بـ”أيقونة العالم”، وأظهرت فيها المدى القريب والبعيد لقبة الأقصى والمرأة الفلسطينية التي تنجب الأبطال وهي رمز القوة، وعبّرت عن الإيمان المطلق بحق العودة برمزية الصبار بألوان زيتية بضربات السكين.

ويرى محمود عبد الله الذي شارك بلوحة مزج فيها بين التصوير والطباعة لخلفية المدينة وهياكلها ورموزها بألوان إكليريك وقماش للطباعة لأطفال الشهداء، أن “كل يوم هو يوم أرض، لأن صراعنا مع الكيان الصهيوني مستمر داخل فلسطين وخارجها، ويحاول الفنان أن يقدم رموزاً دالة على المقاومة والصمود”.

ومن اللوحات الملفتة، مشهد واقعي استوحته حنين الطوسي لحظة استشهاد عائلة الطبيب الذي يمارس عمله في المشفى في غزة، بواقعية ممتزجة بشيء من التعبيرية، موضحة الغضب بلون الدم الذي أسبغ على وجهه على سطح خشن لتراكم الطبقات اللونية.

في حين جسد معتز العمري العين التي تتوسطها قبة الأقصى بالدمج بين التصوير وتأثيرات الشاشة الحرارية ومواد أخرى، مبيناً أن “محور الصراع هو استهداف القدس”.

وبعد تجول وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح في أرجاء المعرض قالت إنه يعزز القيمة الأبرز باللحمة العربية على أرض سورية برسم التشكيليين الفلسطينيين والسوريين بروح واحدة، فالكل يستهجن عمليات الذبح الدموية للشعب الفلسطيني المقاوم، كما جسد ألم الفنان الفلسطيني الذي يعيش بعيداً عن مسقط رأسه، وإن كان في وطنه سورية، وعبّر أيضاً عن ألم النزوح والتشرد والقمع والجرائم التي ترتكب منذ عقود، لكن في الجانب الآخر أومأ بالأمل بالنصر، كما أشارت إلى دلالة المرأة رمز العطاء والخصوبة والتشبث بالأرض.

وأكدت مشوح أن الوطن لابد من أن يعود إلى أصحابه، مستحضرةً رمزية عيد الجلاء بيوم الأرض ما يعني أن المعاناة لابد أن تزول.

بدوره، بين أمين سر اتحاد الفنانين العام الفنان غسان غانم أن الاتحاد على تواصل دائم مع الاتحاد الفلسطيني، ولاسيما في معرض “يوم الأرض” السنوي المعبّر عن تشبث الإنسان بأرضه وانتمائه سواء أكان فلسطينياً أم سورياً، فالاستبعاد عن الأرض جريمة بحق الشعب الفلسطيني وبحق أيّ شعب يدافع عن بلده وأرضه، فالشعب الفلسطيني والسوري واحد لا يمكن أن يتجزأ، كما أشار إلى التنوع بالأعمال بين السريالية والانطباعية بالإضافة إلى الواقعية، وأشار إلى مشاركة فنانين وزائرين مغتربين بحضور المعرض.