الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

من ثمارهم تعرفونهم

عبد الكريم النّاعم

زاره صديق لم يره منذ زمن، وكانا في شبابهما من المغرمين بالمطالعة، وبمتابعة ما يجري فوق أرض الوطن، وفي العالَم، وكان لهما حضور ما في المُنتديات، ونادراً ما يلتقي بواحد فيه ما يحمله هذا الزائر الطيّب، وهو في داخله ممتنّ لكل مَن يزوره بعد هذه العزلة، ويرى في زيارته بعض الأنس.
سأله صديقه: “كيف تقضي أوقاتك؟”.
أجابه: “أقرأ كثيراً، وقليلاً ما أكتب، ولولا الكتاب لكنتُ في حالة أسوأ ممّا أنا عليه، على ما فيّ ممّا تعرفه من مجموعة من العلل، والحمد للّه”.
سأله: “ماذا تقرأ؟”.
أجاب: “أنا من أنصار مقولة “أيَّ كتاب تقرأ تستفدْ”، بيد أنّني أختار من الكتب ما أجد فيه مُتعة، وفائدة، وما أرى فيه غذاء روحيّاً”.
قال: “أحبّ أن أستمع إلى رؤيتك لِما يجري فوق أرض بلادنا”.
أجابه: “السؤال واسع، وسأحاول أن أختصر بقدر المستطاع، أنت تعلم أنّ المَشاعر والعقول كلها مشدودة إلى ما يجري فوق أرضنا المحتلّة في فلسطين، كما ترى أنّ المركزيّة الغربيّة منحازة انحيازاً شيطانيّاً يفضح عوراتها الأخلاقيّة، وهنا اسمح لي بالتبسّط قليلاً، فالغرب مذ خرج لاحتلال البلدان الضعيفة، ذات المَوارد الهائلة، والتي تشكّل ساحة تصريف لمنتجاته، ورافق ذلك اختياره لأنظمة معروفة، وكان ما أنتجه من معارف، واختراعات، وتكنولوجيا غير مسبوقة، وكان ذلك أحد أذرع توسّعه في السيطرة، وحقّق قفزات علميّة مدهشة، لكنّه كان في مستويات متدنيّة على المستوى الأخلاقي، وهذا ليس رأيي، وآراء أمثالي، بل هو رأي عدد من مفكّري الغرب، وها أنت ترى الآن صورة هذا السقوط، فعلى الرغم من سياسة الأرض المحروقة في غزّة، وتمويت شعبها جوعاً وعطشاً، وعلى مرأى من العالم كلّه، ها هي حكوماته، وهذا أمر يحتاج لمناقشة خاصة”.
قاطعه: “منذ فترة كنّا في جلسة مع مَن هم في مثل سنّنا فاسترْجعنا بعض اهتماماتنا، ومرّ ذكر الاحتلال، فقال أحدهم، متبرّماً بمرارة، ليتنا لم نستقلّ، وبقي الاحتلال، فقد عرفتْ بلادنا، الكهرباء، وسكك الحديد، وافتتاح المدارس، وتدريس اللغات الأجنبيّة، و..”.
قاطعه هازّاً رأسه: “أعرف أنغام هذه المعزوفة، إنّ الاحتلال لم يفعل ذلك خدمة لأهل البلاد التي نهبها، بل فعله لتسهيل انتقالاته فيها، وللتمكّن أكثر في إنشاب مخالبه، وربّما كان مَن ذكرت يقول ذلك نتيجة ما أوصلونا إليه، ولاسيّما منذ بدء الخراب العربي”.
قاطعه: “الموضوع فعلاً متشعّب لنعدْ إلى واقع ما يجري”.
أجابه: “السقوط الأخلاقي الغربي تفضحه المظاهرات التي ملأتّ شوارع بلدانه، ويبدو لي أن الثقافة الليبراليّة السائدة في تلك المجتمعات ساهمت في خلق حالات الاحتجاج، فقد كانت التّعمية المقصودة في تلك المجتمعات، وحجْب واقع الاحتلال الاستيطاني، والتركيز على الهولوكست اليهودي المزعوم، كلّ هذا جعل تلك الشعوب تتعاطف مع إسرائيل، ولولا ما جرى فوق أرض غزّة لَظلوا في تلك المتاهة، وهذا سيكون من نتائج المواجهة الشجاعة فوق تلك الأرض، أنا أعلم حجم الدمار، وعُمْق الآلام، ومرارة الواقع، أعرف كل هذا بيد أنّ الوقائع تُفيد أنّه ما كان من الممكن الوصول إلى حيث نقف لولا المقاومة، ولاسيما أنه لا أمل في أن يكون لحكام العرب، وأيتام كامب ديفيد وأوسلو ما يمكن الرهان عليه، وسيكون لهذا الأمر عواقبه داخل المجتمعات الغربيّة، وسيضاف إلى الهزّة الزلزالية التي أصابت المجتمع الصهيوني، فهم الآن كالداخل في معركة اشتباك بالأيدي، لا يحسّ بما أصيب به إلاّ حين يتوقّف الاشتباك، وأيّا كانت المرتسمات الآنية فوق الأرض، فنحن أمام إرهاصات ولادة عالم جديد”.

aaalnaem@gmail.com