دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة لا ترغب بحلّ عادل للقضية الفلسطينية

عائدة أسعد

بعد يومين فقط من استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يوصي بمنح العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لدولة فلسطين، وافق الكونغرس الأمريكي على تقديم مساعدات خارجية بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا و”إسرائيل” وحلفاء آخرين للولايات المتحدة.

إن تحرّكات الولايات المتحدة تظهر أن واشنطن تشكّل أكبر عقبة أمام حل الأزمة في الشرق الأوسط وإيصال المساعدات الإنسانية التي تشتدّ حاجة غزة إليها، وعلى الرغم من ادّعاءاتها أنها تدعم حل الدولتين، إلا أن واشنطن تواصل العمل على العكس من ذلك.

وقد برر نائب المندوب الأمريكي الدائم روبرت وود الفيتو الأمريكي بقوله: إن أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يتحمّلون مسؤولية خاصة لضمان أن أفعالهم تدعم قضية السلام والأمن الدوليين وتتوافق مع متطلبات ميثاق الأمم المتحدة.

ومع ذلك، وافق الكونغرس الأمريكي، على الرغم من الإدانة المحلية والدولية لاضطهاد “إسرائيل” للفلسطينيين في غزة، على تقديم 26.3 مليار دولار كمساعدة لها ضمن حزمة من فواتير المساعدات الأمريكية، وبينما يخصص مشروع القانون 9.2 مليارات دولار للأغراض الإنسانية، بما في ذلك في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، فإنه ينص على عدم استخدام أي منها لتمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ومن الباقي يخصّص 5.2 مليارات دولار لتجديد وتوسيع نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، و3.5 مليارات دولار لشراء أنظمة أسلحة متقدمة، ومليار دولار لتعزيز إنتاج الأسلحة؛ مع تخصيص 4.4 مليارات دولار للإمدادات والخدمات الأخرى لـ”إسرائيل”.

من الصعب أن يرى العالم كيف يؤدّي ذلك إلى تعزيز قضية السلام والأمن، لأن دعم الولايات المتحدة لا يؤدّي إلا إلى توفير المزيد من الوقود لآلة الحرب الإسرائيلية، فمنذ اندلاع الصراع في غزة في 7 تشرين الأول، قُتل أكثر من 34 ألف فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية في غزة، من بينهم 10 آلاف امرأة، ويواجه الآن أكثر من مليون فلسطيني المجاعة في جنوب غزة، حيث تتعرّض حياتهم للتهديد المستمر من القصف الإسرائيلي اليومي.

ومع ذلك، فإن الوضع الكئيب في غزة فشل في تحريك أولئك الموجودين في الكابيتول هيل لإظهار أي تعاطف مع محنة الفلسطينيين المحاصرين، وبدلاً من ذلك ظلوا متمسكين ببنادقهم دعماً لـ”إسرائيل”.

ويبدو أن محاباة الولايات المتحدة لـ”إسرائيل” ليس لها حدود، على الرغم من أنه يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها متواطئة فيما تفعله قوات الاحتلال في غزة، ومن أجل وقوفها جنباً إلى جنب مع أقرب حلفائها في الشرق الأوسط، تكون الولايات المتحدة قد تخلّت عن أيّ ادعاء بأنها نصيرة حقوق الإنسان.

لقد ثبت أن تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط أمر صعب الحل بالنسبة للمجتمع الدولي، لكن السبب الرئيسي لذلك هو أن الولايات المتحدة لا تفتقر فقط إلى الإخلاص في التوسط من أجل السلام في المنطقة، بل تضع أيضاً عقبات في طريق تحقيق هذا الهدف.

إن نظرة سريعة إلى سلوك الولايات المتحدة منذ اندلاع “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” تكشف بشكل لا لُبس فيه أن الولايات المتحدة تبنّت نهجاً ذا وجهين، فبينما تستمرّ الحرب الإسرائيلية في إحداث الدمار، أصدر مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى، في مواجهة الضغوط المحلية والدولية الشرسة، انتقاداتٍ لاذعة لسلوك “إسرائيل” غير الإنساني في غزة، كما شاركت الولايات المتحدة في مفاوضات الأسرى إلى جانب لاعبين آخرين في المنطقة، وأطلقت عمليات إسقاط جوي للمساعدات في غزة، ودفعت “إسرائيل” إلى فتح نقطة تفتيش ثانية في شمال غزة للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية، ومع ذلك، كل هذه الأمور لا معنى لها في الأساس نظراً للدعم الثابت الذي تقدّمه الولايات المتحدة لـ”إسرائيل” سواء من حيث مساعدتها العسكرية أم دعمها الدبلوماسي في الأمم المتحدة.

ويمثل تصاعد التوترات الأخير بين “إسرائيل” وإيران منعطفاً آخر نحو الأسوأ لأنه يدفع المنطقة نحو صراع أوسع نطاقاً وأكثر سخونة، ويجب على واشنطن أن تعلم أن دعمها غير المشروط  للكيان يشوّه صدقيتها على الساحة العالمية، ويعرّض نسيج السلام والاستقرار في الشرق الأوسط للخطر، إضافة إلى أن سياستها الأنانية وغير المدروسة في التعامل مع الشرق الأوسط كانت هي السبب الرئيسي للفوضى هناك.

لقد حان الوقت لأن تتخلّى الولايات المتحدة عن حساباتها الأنانية التافهة وتتصرّف كعضو مسؤول في المجتمع الدولي.