“الجناح الثالث”.. معاناة الإنسان السوري بعد أن تلاطمت في بحره الأمواج
حمص- عبد الحكيم مرزوق
صدر حديثاً عن “دار توتول للطباعة والنشر” مجموعة قصصية بعنوان “الجناح الثالث” للدكتورة لين غرير، وتتألف من 23 قصة وتقع في 150 صفحة من القطع المتوسط.
وتنبع قصص المجموعة من حياتنا، ويغلب عليها الطابع الاجتماعي، حيث تحاول الكاتبة أن تمسك بيدها الحب الذي لا تكتمل الحياة إلا به، وتحكي عن معاناة الإنسان السوري بعد أن تلاطمت في بحره الأمواج، وحملته إلى شواطئ كثيرة، وحياته التي تأثرت بآلام الوطن وما مرّ عليه من محن وأوجاع، وكان لا بدّ من هذا التداخل بين الحياة العامة والحياة الخاصة، لأن حياة الإنسان لا تنفصل عن الواقع، وهو جزء منه، ويتأثر بكلّ ما يجري حوله، ويشكل معيناً خصباً لينهل منه الكاتب قصصه الواقعية وأبطاله مما يجري في الحياة اليومية، وهذا ما جسّدته القاصة في قصصها، فالواقعية سمة تكاد تكون مشتركة بين جميع القصص التي أنجزتها حتى الآن، وتبدو في قصصها متمردة على بعض العادات والتقاليد والظلم الاجتماعي وتحاول من التركيز على الجوانب الاجتماعية بشكل واضح وجليّ، وتلجأ في بعض الأحيان إلى الرمز المكثف، لتشير إلى كثير من الحالات الاجتماعية الموجودة في مجتمعنا، متأثرة إلى حدّ كبير بالحرب الكونية على بلدنا سورية، حيث كتبت سابقاً رواية “ريشة بيضاء”، وفيها تروي ومن خلال الريشة التي تتجول في أنحاء الوطن قصص الحرب الكونية، وتستمر في “الجناح الثالث” برواية القصص التي خلفتها هذه الأزمة حيث تبدو أنها تقدّم بعض النتائج التي كان من أهمها الهجرة وما ترتب عليها من انعكاسات.
ومن هذه القصص نذكر “الحب يريد الحرية” وهي الأطول ضمن المجموعة، وتحكي جزءاً من حياة ثلاث فتيات في المدينة الجامعية وقصة الحب الكبير بين “نغم” و”جمال” وتسلّط الضوء على الترابط القوي بين حياتنا الخاصة وما حدث في أرجاء الوطن، وكيف أنّ الحب يتأثر أيضاً وقد يؤدي الاختلاف بالرأي وسط الأزمة إلى كسر أدوات الحب بين عاشقين.
وتدخلنا الكاتبة في قصة “بائع البالونات” إلى صميم الحياة القاسية التي تركت الآباء والأمهات وحدهم يصارعون الحياة في بلدهم من دون أولادهم الذين هاجروا خارج الوطن، وتأتي النهاية لتؤكد أن الخير لا ينتهي مهما حاول الشر الانتشار.
أما القصة التي حملت عنوان “وطن” فتتحدث عن رجل خمسيني يبقى في الوطن على الرغم من هجرة عائلته إلى خارج الوطن ويزورها فقط في الإجازات، وهي تعبّر عن تمسك الإنسان بعمله ووطنه وجهوده التي بذلها خلال سنوات عمره للتقدم في عمله وصعوبة التخلي عن كل ما يجعله فعالاً ومنتجاً، لأن العمل هو سر الحياة ومصدر الطاقة حين نكبر في العمر، لذلك يصعب التخلي عنه من أجل السفر مع الأولاد الذين يرون مستقبلهم خارجاً، وتشير قصة “سندويش فلافل” إلى الفرق بين من يتكلم كثيراً في الدين وبين من يعرفه حقاً بفعل الخير والمساعدة الإنسانية.
أما “قصة عادية” فتحكي عن “هيفا” التي تأخر نصيبها في الحياة من عمل وزواج متأخر بعد مصادفة غريبة ليغيّر من حياتها ويحولها بشكل غير متوقع، إنها الحياة التي ترسم تفاصيلها بأناة بكل أحزانها وأفراحها التي تترك الإنسان دائماً عند مفارق الطرق فيكون التحول الذي لم يكن يخطر على بال.
الدكتورة غرير قالت إن للحب دوره ومكانته في المجموعة، فهو غالباً طوق النجاة في العاصفة، وقد تدمره العاصفة حيناً، مضيفةً: “السلام هو الإطار الأكبر لهذه المجموعة، هو سلامنا الداخلي الذي نتمناه ونرجوه ونسعى إليه و”الجناح الثالث” هو ما يفوق الطبيعة، وكل منا سيراه بطريقته، ومن له جناح ثالث هو حقاً مبدع لأنه سيحلق في سماء أبعد بكثير”.
يُذكر أن “الجناح الثالث” هو الكتاب الرابع للكاتبة، إذ صدرت لها مجموعتان قصصيتان “نساء بلا حدود” 2007 عن “دار المعارف”، و”هذه أنا” 2010 عن “دار المعارف”، ورواية “الريشة البيضاء” 2020 عن “دار كنانة”.