عن تجربة الانتخابات الحزبية في سياقها الأوسع
أحمد حسن
يوم السبت القادم، وبعد تحضيرات مكثّفة استمرت لأشهر عدّة، تنطلق أعمال اجتماع اللجنة المركزية الموسّع لحزب البعث العربي الاشتراكي لمناقشة القضايا المطروحة على جدول أعماله، وانتخاب لجنة مركزية، وقيادة مركزية، ولجنة الرقابة والتفتيش وأمين سر اللجنة المركزية.
ورغم أن ذلك لا يعدّ أمراً طارئاً أو دخيلاً على “البعث”، الذي استطاع أن يكون، عبر تاريخه، حزباً متجدّداً قادراً على العطاء والعمل في كل الظروف والتغيّرات التي طرأت على البلاد والمنطقة والعالم، منذ تأسيسه وحتى اليوم، إلّا أن ما يميّز “حدث” هذه المرة تلازم أمور ثلاثة تشكل معاً مشهد “الحدث” وغايته الحقيقية: أولها اتّسامه بآليات وإجراءات جديدة اعتمدت الديمقراطية الكاملة والشفافية والعلانية في جميع المراحل التحضيرية، وثانيها حصول ذلك كلّه “وفق توجيهات الرفيق الأمين العام للحزب، السيد الرئيس بشار الأسد، الذي كان يتابع العمليات الانتخابية في الشُعب والفروع، ويعطي توجيهاته بشأن الالتزام الكامل بالديمقراطية ومشاركة القواعد الحزبية الواسعة والاستماع لملاحظاتها وآرائها”، وثالثها إطلاق مسار حزبي جديد يقدم إجابة قاطعة حول سؤال منطقي طالما طرحه الكثيرون في الآونة الأخيرة، ومفاده: “هل يمكن للبعث تجديد ذاته في ظل هذه الظروف الداخلية والخارجية المعقّدة وغير المسبوقة”؟ والأهم: “هل يمكن له عكس هذا التجديد على الدولة بأسرها استناداً إلى دوره وموقعه الوطني الكبير؟”.
والحال فإن التمعّن في هذه الأمور الثلاثة يمكن له أن يقدم قراءةً وفهماً لما هو أبعد من عملية انتخابية إجرائية في حزب ما إلى كونها عملية مواجهة جديدة، حزبيّة ووطنية، لتحديات قديمة ومستجدة تتميز – أي عملية المواجهة – برؤية معمقة ومنفتحة مع، وعلى، متطلبات المرحلة الحالية وما سيليها، سواء على المستوى الحزبي وضرورة إنتاج علاقة حيوية مرنة بين القيادات والكوادر تحسّن من عمل الحزب، وبالتالي تعمّق دوره التاريخي، أو على المستوى الوطني الأوسع، وضرورة إعادة انتاج أسباب صموده في مواجهة عالم متغيّر تحكمه علاقات القوة، وتُسيّره ضرورات السباق على “الماء والكلأ”، كما على “الثروة البشرية” التي يحاول استلابها عبر عملية “كيّ للوعي” تقوم بها مؤسسات متخصصة بهدف جعل “الاستعمار”، ولو بلبوسه الجديد، يبدو كمطلب محلي ضاغط أكثر مما هو استكمال مدروس لأسس السيطرة وطرق النهب القديمة والجديدة.
هنا، تحديداً، تبرز التحديات التي ستواجه القيادة المركزية الجديدة، كما تبرز النقاط التي يجب التركيز عليها سواءً كانت هذه الأخيرة تنظيمية أم فكرية، وإذا كانت “التنظيمية” تبدأ من ضرورة تجديد فكرة ودور “الاجتماع الحزبي” وجعله معنياً فعلياً بقضايا المواطنين، ليس طرحاً واستعراضاً فقط، بل إيجاد حلول ناجعة أيضاً، وصولاً إلى تفعيل الكوادر “البعثية”، لا “الحزبية” – وهنا فرق لا يُخفى على أحد – ومروراً بتحديث القضايا التنظيمية المعتادة (التنسيب، الترفيع.. إلخ)، فإن “الفكريّة” تبدأ، ولا تنتهي، بعملية خلاقة لوسائل جديدة تسعى لتطوير الفكر والعمل الحزبي وتوسيعهما وترسيخهما وتحديداً في صفوف الشباب لإنقاذهم، فعليّاً، من دياجير عالم افتراضي تقودهم فيه، كرهائن مستسلمة، وسائل إعلام، تقليدي وبديل، لا هدف لأغلبها سوى خلق عالم تُقاد فيه هذه “الجموع” وفق رغبة “المموّل” وتطلعاته وأهدافه التي دفعنا ثمن بعضها من دماء شبابنا ومقدّرات بلادنا خلال الحرب الهجينة التي شُنت علينا ولا زلنا نكتوي بنارها حتى الآن.
خلاصة القول.. ليست “الانتخابات” على أهميتها وضرورتها إلّا “فعل” إرادي واعٍ لاستيلاد طرق مواجهة فعالة لتحديات قديمة ومستجدة، كما سلف، وبالتالي فإن أثرها لن ينته بنهاية أعمال اللجنة المركزية الموسعة، بل سيبدأ في تلك اللحظة تحديداً.. هذا هو رهان “الانتخابات” وذلك هو دورها الحقيقي والمأمول.