المناخ الحزبي العام قبيل الانتخابات المقبلة
د.عبد اللطيف عمران:
ليست الظروف الراهنة التي يعيش في ظلالها غير الوارفة الحزب، والدولة، والمجتمع أيضاً بخافية مصاعبها وتحدياتها واستحقاقاتها على أحد. لكن للأمل والعمل والتضحية والصمود رايات كانت ولاتزال وستبقى مشرقة خفّاقة.
في هذه الظروف، يتطلّع البعثيون وجماهير حزبهم والوطنيون كافة، والعروبيون أيضاً إلى المسار الديمقراطي التنظيمي الراهن بترقّب وتلهّف وآمال طيبة، في الوقت الذي يمضي فيه المرشحون إلى الانتخابات بمستوياتها المتتالية بجد ونشاط ورغبة وأمل لا يخلو -لا شك- من حذر وقلق وتساؤل، وغير قليل من الخوف من النتيجة، وهذا أمر طبيعي.
من الواضح والمعروف أن العدد الأكبر من رفاقنا كان يفضّل تقديم المركزية الديمقراطية – التعيين الصِرف – على الديمقراطية – الانتخابات – ومضت الانتخابات بمستوييها الأول والثاني فبدأت معهما حواجز القلق والشك والحذر تتداعى وتتلاشى، وعاش البعثيون المنتخبون والناخبون، الناجحون وغير الناجحين، تجربة جديرة بأن تعاش بغض النظر عن الحكم على الفوز أو الخسارة، وذلك لأسباب عديدة منها:
– إن الخيار التنظيمي الراهن لم يكن معروفاً بتفاصيله من قبل، ويكاد يكون تجربة جديدة، لم تعرفها الأدبيات الحزبية التنظيمية المسطّرة سابقاً، فاللجنة المركزية للحزب من المؤتمر القطري السابع 1979-1980 لم تعرف هذا النوع من الخيار الديمقراطي المتسلسل، ما أضفى على تجربة اليوم قيمة وحيوية جديدة.
– كان البعثيون الأوائل، وحتى اليوم، حريصين على تلازم الوحدتين الفكرية، والتنظيمية للحزب، لكن هذا الحرص لم يتم إنجازه كشعار بالشكل المنشود، بل بقي هدفاً كغيره من الأهداف، وهذا أمر طبيعي، وغير معيب، وليس نقيصة، خاصة إذا أخذنا بالحسبان أنه لطالما اعتزَّ البعث بعقائديته، وبميله إلى الانخراط في صفوف الأحزاب الإيديولوجية التي لاقت ما لاقته بعد حصد النتائج الطيبة لحركة التحرر الوطني العربية والعالمية، وبدأت تظهر متغيرات مع وصول هذه الأحزاب إلى السلطة.
– كان من الصعب على البعثيين، منذ البداية، أن يحققوا الوحدة الفكرية المنشودة في الحزب، فالبعثيون المؤسسون والروّاد لم ينضووا في أنساق معرفية واحدة، وهذا لايزال أثره إلى اليوم واضحاً، وهذا المنشود بالمقابل قد لا يكون ضرورياً في عالم اليوم، ولا شك أن الوحدة التنظيمية للحزب تأثّرت بهذا المناخ المرن، أو غير الجامد، سواء على مستوى التنظيم في سورية، أو في بقيّة الأقطار العربية. وهذا ما يبيّن أهمية الديناميكية والمرونة في عالم اليوم في شتى المجالات، وكذلك في الفكر والتنظيم إذ تصدر مقولة: (تلازم الوحدتين التنظيمية والفكرية) و(تلازم النضالين القومي والاشتراكي) و..و… لا شك عن إيديولوجية صلبة وصارمة، فإذا لم تساعد الظروف على تحقيقها فوراً تنعكس المشاعر إحباطاً وتندّراً.
– يغلب اليوم التفاؤل على البعثيين وهم يتوجهون السبت القادم إلى المستوى الأعلى في الانتخابات، وقد مرّوا بتجربة مهمة في المستويين السابقين، وهم على يقين من أن البعث بمؤسساته وكوادره سيفيد من هذه التجربة وسيصقل حضوره الديمقراطي الوطني في الاستحقاقات القادمة في الحزب والمنظمات والنقابات والاتحادات والإدارة المحلية ومجلس الشعب.
واليوم أيضاً يحدو الأمل البعثيين وجماهير الحزب والشعب في أن ينهض البعث بحضوره بين هموم الناس، وبمعايشته آمالهم وآلامهم، وبدوره الوطني والعروبي سياسياً واجتماعياً وخدمياً وفكرياً، وهو ينتظر من يعطيه، لا من يأخذ منه، فهذا السباق والتنافس التنظيمي هو على الإنجاز، ولن يكون على الكراسي، فما ينتظر الفائزين غير قليل من التبعات والمسؤوليات التي يتطلب النهوض بها دأباً وجداً وسهراً.
ولا ضيرَ في الإشارة إلى أن هذه التجربة وهي في طريقها إلى النجاح نالت غير قليل من الانتقاد، لكن رفاقنا صاروا على بيّنةٍ من أن النقد كمعرفة، غير الانتقاد كرغبة، ولا أحد منهم يرغب في أن يكون (كالذي حين لا يتقن نقد السياسات والظواهر بشكل موضوعي، فإنه ينتقد الأشخاص بشكل شخصي) وفق ما أوضح الرفيق بشار الأسد الأمين العام للحزب في حواره مع الأكاديميين الاقتصاديين.