الولايات المتحدة تصدّر الموت إلى غزة
هيفاء علي
عندما كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن “إدارة بايدن سمحت في الأيام الأخيرة بنقل قنابل وطائرات مقاتلة بقيمة مليارات الدولارات إلى إسرائيل”، تفاعل الكثير من الأمريكيين مع الخبر، وقد نشر قراء المقال أكثر من 10000 تعليق على صفحته على الإنترنت، وكانت ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي فورية وقوية.
ولكن في صحيفة نيويورك تايمز، قرّر فريق التحرير أن هذه المعلومات المتعلقة بالنقل الضخم الجديد للأسلحة إلى “إسرائيل” لا تستحق النشر على الإطلاق. ومع ذلك، تم التحقق من المعلومات حيث قال تقرير لرويترز: إن مصدرين “أكّدا” بيان الصحيفة. ومن خلال عدم نشر هذه المعلومات، أعطت صحيفة نيويورك تايمز دفعة لعملية تطبيع المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق سكان غزة، وكأن شحن كميات ضخمة من هذه الأنواع من القنابل لاستخدامها في إزهاق حياة المدنيين الفلسطينيين لا فائدة منه ولا أهمية له، ولا يستحق الإبلاغ عنه.
ومن خلال عدم نشر هذه المعلومات البالغة الأهمية فيما يتعلق بشحنات الأسلحة الجديدة عمداً، أشارت صحيفة التايمز ضمناً إلى أن الاستعداد الصارخ من جانب العم سام للانخراط في معايير مزدوجة، يساهم في ارتكاب المزيد من المجازر على نطاق يضارع العقول المنحرفة، وعند سؤال محرّرة التايمز كارولين رايان عن سبب عدم قيام الصحيفة بتغطية هذه الأخبار على الإطلاق، أحالت السؤال إلى وسيط التايمز، الذي أشار إلى أن صحيفة نيويورك تايمز فعلت أكثر من أي صحيفة أمريكية أخرى على مدى العقد الماضي لمساعدة القراء على فهم تعقيدات ما سمّته “الصراع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية”.
حقيقة، يعكس هذا التهرّب التام، المشوب بالرضا عن الذات، غطرسة القوة الإعلامية التي تتمتع بها أكثر أجهزة الأخبار تأثيراً وتوزيعاً على نطاق واسع في الولايات المتحدة، التي بدلاً من تسليط الضوء على هذا الموضوع الحاسم لمجتمع الإعلام في البلاد بأكمله، اختارت صحيفة التايمز قمعه. إن القول المأثور بأن “تأخير العدالة يعني الحرمان منها” ينطبق أيضاً على وسائل الإعلام والحرب: تأخير الصحافة هو حرمان من الصحافة.
وبالتالي، فإن رفض التايمز تغطية القصة بعد نشرها يعدّ خطأً صحفياً يساعد على جعل هذه القصة أكثر من مجرد قصة عابرة ليوم واحد بدلاً من أن تكون نقاشاً وطنياً محدداً. لقد كشف مقال “واشنطن بوست”، في لحظة تاريخية حاسمة، عن تناقض مميت في سلوك كبار مسؤولي الحكومة الأمريكية، الذين ساعدوا وحرّضوا بشكل مباشر على المجازر الممنهجة التي ترتكبها “إسرائيل” ضد المدنيين في غزة بينما أطلقوا عباراتٍ مبتذلة حول القلق. وجاء في المقال أن البيت الأبيض وافق على الشحنات الجديدة من القنابل والطائرات من الأسلحة “حتى في الوقت الذي تعرب فيه واشنطن عن مخاوفها بشأن عدوان عسكري متوقع في جنوب غزة، ما من شأنه أن يهدّد حياة مئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وعليه، يظهر هذا التناقض مدى زيف مخاوف واشنطن.
وذكرت الصحيفة أيضاً أن “شحنات الأسلحة الجديدة تشمل أكثر من 1800 قنبلة من طراز Mk 84 تزن 2000 رطل و500 قنبلة من طراز Mk 82 تزن 5000 رطل، وفقاً لمسؤولين في البنتاغون ووزارة الخارجية مطلعين على الأمر.
هناك صلات ثابتة بين القنابل التي يبلغ وزنها 900 كيلوغرام وعمليات القتل الجماعي السابقة التي تم تنفيذها كجزء من العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة. هنا يشير مسؤول في البيت الأبيض لم يذكر اسمه، إلى أن كل الحديث عن معاناة الرئيس بايدن المفترضة بشأن المذابح ضد المدنيين في غزة هو مجرّد ممارسة قاسية في العلاقات العامة، “نحن مستمرون في دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها والمساعدات التكييفية ليست جزءاً من سياستنا”.
في كانون الأول، وصف المسؤول نفسه القنابل بأنها “واحدة من أكثر الذخائر تدميراً في الترسانات العسكرية الغربية”، وهي سلاح يطلق موجة انفجارية وشظايا معدنية لآلاف الأمتار في كل الاتجاهات. في ذلك الوقت، ذكرت صحيفة التايمز أنه “في 200 مناسبة على الأقل، استخدمت “إسرائيل” هذه الذخائر في المنطقة التي صنفتها آمنة للمدنيين”، وأن القنابل شكّلت “تهديداً مستمراً للمدنيين الذين يسعون للوصول إلى الأمان في جنوب قطاع غزة”. من المؤكد أن الشحنة الجديدة من القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل إلى “إسرائيل” كانت ستبدو ذات أهمية إخبارية أكبر بالنسبة لمحرّري صحيفة نيويورك تايمز لو كانت تهدّد حياة أحبائهم وأهاليهم.