أندية الدوري الممتاز تعيش في دوامة الاحتراف.. ومشاكلها بلغت حدوداً غير مسبوقة
ناصر النجار
المتابع للموسم الكروي الذي أذن بالانصراف ولم يبق منه إلا مباريات قليلة في فئات شتى يلمس ضعف هذا الموسم على كل الصعد، وربما ينظر البعض إلى المستوى الفني كمقياس لتطور الدوري أو تراجعه، لكن النظرة الأهم هي المقياس الإداري والتنظيمي، وقد وجدنا هذا الموسم من أسوأ المواسم على صعيد الإدارة والتنظيم.
ودوماً نجد العتب واللوم موجه في هذا الشأن إلى اتحاد كرة القدم من مبدأ الهجوم خير وسيلة للدفاع، لكن الحقيقة الدامغة أن العتب واللوم يجب أن يوجه إلى إدارات الأندية التي تبين للجميع أنها مسؤولة بالدرجة الأولى عن ضعف الدوري إدارياً وفنياً وتنظيمياً ولكل بند من هذه البنود دلالاته الكثيرة.
للأسف إدارات الأندية تعبث بالأندية وتقودها إلى المجهول دون أي خبرة او مسؤولية، وكل الخطوات غير الصحيحة التي تتبعها هذه الإدارات تتحمل مسؤولياتها الإدارات الجديدة التي تخلف هذه الإدارات، والغريب أنه عندما تستقيل الإدارات أو تتم إقالتها تخرج من الباب العريض دون أدنى سؤال أو محاسبة!
وما دامت المحاسبة غائبة في الرياضة، فلن تتقدم قيد أنملة في كل اختصاصاتها، لذلك تراجعت رياضتنا بكل ألعابها، وباتت تعيش في أدنى درجات الهواية، ودوماً نجد هذه الإدارات تشتكي سوء الوضع المالي وهذا الكلام في ظاهره صحيح وفي باطنه غير ذلك، ورياضتنا دوماً تعاني من شعار الإمكانيات المتاحة، لكننا لم نجد أي إدارة قادرة على تحويل الإمكانيات المتاحة إلى إمكانيات جيدة، والسبب أن أغلب هذه الإدارات لا تملك الخبرة المطلوبة لذلك، ولا تعمل وفق استراتيجية عمل إدارية ومالية، وأغلب العمل في الأندية عشوائي دون تخطيط وبرمجة صحيحة.
صور سوداء
الأندية جميعها اشتكت من الإفلاس والعجز المالي والديون، وفي عرف الاحتراف فكل نادٍ مفلس ولا يستطيع تدبر ديونه يهبط إلى الدرجة الأدنى، وهذا الأمر غير مطبق في الدوري، ولو تم تطبيقه لوجدنا نصف الأندية قد هبطت بسبب الديون والعجز المالي.
ورغم كل العجز هذا إلا أنها لم توف ما عليها من التزامات، وهي غير راغبة في قرارة نفسها على دفع ما عليها من التزامات لاتحاد كرة القدم سواء من ناحية الرسوم المفروضة على العقود والغرامات المالية نتيجة المخالفات المرتكبة، وتعتبر هذه الديون خلبية لأن اتحاد الكرة غير جاد في تحصيلها!
الأندية كلها مديونة لعدد كبير من المدربين واللاعبين، وهناك الكثير من القضايا المالية التي بتت بها لجان اتحاد كرة القدم لكن الأندية غير راغبة في دفع ما عليها للمدربين واللاعبين وتعتبر هذه الأموال ديون مؤجلة حتى إشعار آخر.
والمثار اليوم أن هناك عدة أندية مطالبة من الفيفا بدفع مستحقات لاعبين ومدربين عرب وأجانب، وحسبت هذه الأندية أن التعامل مع اللاعب الأجنبي مثل التعامل مع اللاعب المحلي، وفوجئت هذه الأندية بأن المبالغ المطلوبة منها صارت أضعافاً مضاعفة وبالعملة الصعبة، لأن محاكم الفيفا تضمّن هذه الدعاوي الغرامات المالية (غرامات التأخير) والرسوم وأجور المحاماة والمحاكم، والظاهر اليوم أن هناك أربعة أندية دخلت الخط الأحمر في المخاصمة المالية مع الفيفا، وهناك أندية أخرى على الطريق، ونخشى أن نسمع مستقبلاً عن دخول أغلب أنديتنا في مخاصمات مع الفيفا.
أخطاء الإدارات
في المقام الأول وجدنا أن كل الأندية صارت تلهث وراء اللاعب الأجنبي، وبالفعل جميع الأندية تعاقدت مع اللاعب الأجنبي والعربي باستثناء نادي الجيش، لكن وجدنا أن كل اللاعبين المتعاقد معهم كانوا عاديين ولا يختلفون عن لاعبنا المحلي العادي، بل إن الكثير من لاعبينا كانوا أفضل من هؤلاء، والكلام نفسه ينطبق على المدربين الذين تعاقدت معهم أنديتنا، فجميع مدربينا المحليين أفضل من هؤلاء، لذلك نقول: ما جدوى التعاقد مع هؤلاء اللاعبين؟ ولو كان هناك أدنى فائدة من وجودهم في الدوري لوجدنا أن مشكلة العقم الهجومي في الدوري قد حلت بوجود هؤلاء، لكن للأسف بقيت أغلب أنديتنا عقيمة فلم نشهد أي إضافة من أي لاعب على ناديه في هذا الموسم، ما يؤكد أن التعاقد مع المحترفين الأجانب والعرب كان تعاقداً فاشلاً لأنه غير مدروس، ولا نريد الخوض بأمور أخرى تحصل من خلال هذه التعاقدات وتشير إلى وجود منافع للسماسرة من خلال هذه العقود.
في المقام الثاني جميع العقود التي أبرمتها الأندية مع اللاعبين لم تكن متقنة ولم تحفظ حق الأندية، وافتقدت هذه العقود إلى الخبرة القانونية، لذلك (على سبيل المثال) وجدنا محترف الفتوة جوزيف ماركوس يحتال على النادي بسهولة وها هو قد ورط النادي بمبالغ كبيرة وذلك لضعف العقد وضعف الإجراءات الإدارية.
في المقام الثالث إذا كانت الأندية تشتكي من الأزمات المالية فلماذا تبادر إلى إجراء التعاقدات مع اللاعبين، هذا الموسم وجدنا أن الأندية تعاقدت مع عشرة لاعبين على الأقل لكل ناد، وهذه التعاقدات تحتاج إلى مال، وإذا كانت الأندية لا تملك المال، فعلى أي أساس تعاقدت مع هذا الكم من اللاعبين؟
لذلك نجد أن مطالبات المدربين واللاعبين تملأ أدراج اتحاد كرة القدم، لأن هؤلاء لم يستطيعوا الحصول على مستحقاتهم المالية بود كما وقعوا عقودهم بود، ومثل ذلك المدربين، ونحن نستغرب أن الأندية التي لا تملك المال تكثر من تبديل المدربين، وكل مدرب له طاقم مخصص له، وكل طاقم له عقوده المالية، فهل من الصواب أن يتعاقد النادي مع ستة طواقم تدريبية في موسم واحد، ثم يشتكي سوء الحال، فلا يدفع حقوق اللاعبين والمدربين؟
هذا كله يؤكد سوء عمل إدارات الأندية، وللأسف فإن أغلب هذه الإدارات ليست من خبراء كرة القدم، لذلك وجدنا هذه المشاكل والقضايا العالقة، ووجدنا أن الأندية تسير نحو الانهيار بسبب سوء العمل الإداري، وعدم الخبرة في قيادة الأندية.
مسؤولية اتحاد الكرة
أما عن الحلول المناسبة لما سبق فإنه يجب الإسراع بإصدار قانون الاحتراف بالتعاون مع الاتحاد الرياضي العام، حتى يصبح للاحتراف ضوابط قانونية تلتزم بها جميع الأندية.
وإجبار الأندية على وضع ميزانية مالية حقيقية يتم من خلالها إجراء التعاقدات السنوية سواء مع اللاعبين أو المدربين، مع تصفية حقوق اتحاد كرة القدم وحقوق الكوادر واللاعبين قبل إجراء أي تعاقد مع أي لاعب، وعدم السماح للأندية بالتعاقد مع أي لاعب أو مدرب أو أحد الكوادر دون وجود براءة ذمة مالية.
عدم التهاون في تحصيل أموال اتحاد كرة القدم سواء من النسبة من العقود إضافة لدفع الرسوم وكذلك الغرامات المالية المفروضة على الأندية من لجنة الانضباط والأخلاق، لأن التهاون في تحصيلها أو العفو عنها يشجع الأندية على ارتكاب المزيد من المخالفات، ويساهم بتشجيع الشغب في الملاعب، لأن العقوبات المفروضة هي تأديبية ولكبح جماح الشغب.
إضافة لإنذار الأندية بعدم منحها الترخيص السنوي إذا لم تدفع ما عليها من حقوق مالية، وهذا الإنذار يجب أن يكون جدياً بفترة زمنية محددة، ومن لم يستجب يلغى ترخيصه في الدوري الممتاز ويهبط إلى الدرجة الأدنى.