اقتصادصحيفة البعث

هل لدينا مثل تلك الدراسات..؟!

قسيم دحدل

يُخطئ من يرى أن الدراسات الاستشرافية ترف فكري، لا بل هي ضرورة ملحة، كونها تعدّ أحد أهم الأدوات لوضع الإستراتيجيات المتوسطة والبعيدة المدى، سواء على مستوى الاقتصاد الجزئي أو الكلي.

وتكتسب مخرجات هذه الدراسات فاعليتها وتأثيرها الزمني المجدي، تخطيطياً واقتصادياً، كلما كانت دقة مدخلاتها من بيانات وإحصائيات ومؤشرات، عالية الوثوقية والشفافية، بعيداً عن التقديرية أو التأويلية، وكذلك كلما كان التعامل مع البيانات وتحليلها أكثر موضوعية وحيادية.

مثل تلك الدراسات لا نعتقد أنها موجودة لدينا حالياً بالشكل المراد لها أن تكون، لسبب بسيط وهو غياب أو تغيب البيانات الصحيحة والإحصائيات الدقيقة، أو عدم توفرها ككل متكامل، نظراً لافتقار مؤسساتنا إلى التكاملية والتنسيق والتعاون فيما بينها في هذا المجال، الأمر الذي يستدعي إحداث مركز بحثي متخصّص، يستطيع وبعد تأمين الكوادر المتخصصة في التحليل الاقتصادي وغير الاقتصادي، تقديم المعلومات لأصحاب القرار، بحيث نصل تفعيل ما يُسمّى “دعم القرار”، ليكون هذا الدعم حقيقياً لا تنظيرياً “بريستيجياُ”!.

في هذا السياق، لو أردنا مثلاً لا حصراً، نشرة إحصائية شهرية لعدد السوريين الذين انضموا لسوق العمل في القطاع الخاص لأول مرة وتوزعهم واختصاصاتهم، لما استطعنا الوصول إلى مبتغانا، لأن دون ذلك العديد من المعوقات التي تحول بالأصل، من ضبط وتسجيل العمالة الداخلة إلى القطاع الخاص، فكم من منشآت لا تزال تتهرب من تسجيل العدد الحقيقي للعاملين فيها، تلافياً لضمّهم إلى التأمينات الاجتماعية والذي يعني واجبات على أرباب العمل تتبعها مسؤوليات والتزامات مالية وضريبية وتأمينية وغير ذلك!.

ولأن العمالة وتعدادها ونسبة الداخل منها إلى سوق العمل شهرياً وربعياً (و.. و..) يعتبر برأينا من أحد أهم المؤشرات للحراك الاقتصادي والإنتاجي والتشغيلي، وبالتالي مؤشراً على توجهات الأعمال والاستثمار وفي أي القطاعات، وبالتالي مؤشراً على مدى توسعها وتطورها، وجب أن يكون لدينا دراساتنا المرحلية والاستشرافية، التي من شأنها عدم الوقوع في دوامة التخطيط وإعادة التخطيط والبرامج والمشاريع المرتبطة به.

مثل تلك الدراسات من شأنها أن توفر وتقدم معلومات مرحلية ومستقبلية مهمّة جداً عن متطلبات سوق العمل، استناداً لفعاليتها في متابعة مخرجات التعليم وارتباط تلك المخرجات بالاختصاصات المتبدلة والطارئة التي يشهدها السوق المتفاوت في تغير مستلزماته وشروطه، بنتيجة التطور الطبيعي لقطاع الأعمال، الأمر الذي يفرض في المقابل تطويراً تشريعياً وتنظيمياً.. يبدأ من قوانين العمل ولا ينتهي عند قوانين الاستثمار، وهذا ما لا بدّ من الإسراع بإنجازه، حتى نكون جاهزين لكل الاحتمالات.

Qassim1965@gmal.com