الأب زحلاوي يلتقي طلّاب المعهد المسرحي ويهديهم “الأعمال الكاملة”
أمينة عباس
لم تمنعه سنواته التسعون من تلبية دعوة الدكتور تامر العربيد عميد المعهد العالي للفنون المسرحية لزيارة المعهد، والتجوال بين أقسامه المختلفة والاطّلاع على ما يقوم به طلبته في هذه الأقسام والذين قدموا أمامه خلاصة ما يتعلمونه فيه وقد ارتسمت على محياه علامات الرضى والإعجاب والتقدير لهم ولكل الجهود التي تبذلها إدارة المعهد الذي كان من مؤسسيه في سبيل تأهيل جيل مسرحي يكمل مسيرة من سبقوه من الرواد الذين عاصرهم الأب إلياس زحلاوي، متمنياً من الطلاب أن ينشروا رسالة سورية في التحدي والفرح ونشر المحبة واحترام الإنسان من دون استثناء، وأن يكونوا قدوة في الحياة بتفكيرهم عبر الفن، قائلاً: “للفن تأثير هائل ليرى الجميع، على الرغم من الحرب الجهنميّة التي شنت علينا، أننا قادرون على أن نكون أولاد الحياة والتحدي والفرح”، موجهاً الشكر لعميد المعهد الذي أتاح له من خلال هذه الزيارة فرصة لقاء من سيكونون في المستقبل نجوم سورية، وقد هاله الشوط الكبير الذي قطعه المعهد منذ بداية تأسيسه حتى الآن.
وفي محطته الأخيرة في المعهد، التقى إلياس زحلاوي طلابه في المسرح الإيطالي “مسرح سعد الله ونوس” وقام بإهداء نسخ من كتابه “الأعمال المسرحية الكاملة” الصادر عن اتحاد الكتّاب العرب إلى مكتبة المعهد وقام بتوقيع الكتاب بعد أن توجه للطلاب بالقول: “يسعدني أن الدكتور تامر العربيد عميد المعهد كان أحد تلامذتي عام ١٩٧٨ يوم كان المعهد في بداياته، وأفاجأ اليوم بسلسلة أقسام ربما ما كانت تخطر ببال أحد عندما أُسّسَ المعهد”، مشيراً إلى الدور الذي يلعبه المسرح في الحياة: “من يقرأ تاريخ المسرح يكتشف أن للمسرح دوراً مهماً في تاريخ البشرية كلها، من هنا كانت أهمية إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية الذي خرَّج على مدار سنواته ممثلين ساهموا في وصول الدراما التلفزيونية إلى ما وصلت إليه اليوم على الرغم من كل ما حدث في سورية، وما أًريدَ أن يحدث لها من تدمير كان الهدف منه القضاء عليها، وسورية لا تزال واقفة على الرغم من كلّ شيء، وأرجو لكم أن تكونوا حملةً الفكر الحر وفكر التحدي والحياة والمحبة، ويسعدني أن أوقّع على الكتاب الذي كرّمني الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتّاب العرب بطباعته، وفيه مسرحياتي التي كنتُ قد كتبتُها ومُثّلت، لكن لم تطبع، وتلك التي كانت قد طبعتْها وزارة الثقافة أو اتحاد الكتّاب العرب، متمنياً أن يُتاح لكم الوقت لقراءتها، وأرجو أن أكون قد قدمتُ فيها بعضَ ما يحيي احترام ومحبة وكرامة وحرية الإنسان والدفاع عنه، وأتمنى أن تتاح لي مشاهدة ما تقومون بالتحضير له خلال الفترة القادمة”.
وفي نهاية الزيارة، بيّن الأب زحلاوي في تصريحه لـ”البعث” أنه يمكن وضع عنوان “إشراقة جديدة” لزيارته للمعهد بعد أن تفاجأ بما وصل إليه، متمنياً أن يحمل كل طالب فيه من خلال الفن إشراقة سورية وسط هذا العتم الهائل المفروض علينا، مبيّناً أن الزيارة عادت به كثيراً إلى الوراء حين كان المعهد بذرة صغيرة: “لكن ككل شتلة تُزرع في غوطة دمشق تكبر وأنا اليوم فوجئت بعد عشرات السنوات بأن المعهد على الرغم من كلّ ما مرّ على سورية من محاولات دمار وتدمير منتظم لا يزال ينبض بالحياة، وفوجئت بعدد الشباب والشابات، وكلّي ثقة بأنهم سيحملون من هذا المعهد من خلال فنّهم للعالم العربي سورية الحياة والتحدي والقوة والفكر”.
وعبّر عميد المعهد عن سعادته بوجود الأب إلياس زحلاوي فيه، وقد كان حريصاً على دعوته لزيارته، والتعرف على طلابه من جميع الأقسام وهو القامة الأدبية والفكرية والمعرفية والمسرحية ومن الذين ساهموا في تأسيسه والتدريس فيه وترجم كتاب “تاريخ المسرح” الذي يُعدّ من أكثر المراجع أهمية يمكن للطالب أن يعود إليها: “يهمني أن يعرف طلاب المعهد القيمة الكبيرة التي يمثلها زحلاوي في حياتنا، فهو لم يترجم كتاب تاريخ المسرح فقط، إنما أنشأ ذاكرة ارتبطت بالفرح والتفاؤل والعمل، وقد أتحفنا مؤخراً بالتعاون مع اتحاد الكتّاب العرب بكتابه “الأعمال المسرحية الكاملة” الذي يضم مجموعة مسرحياته، لذلك فوجوده في المعهد اليوم مكسب كبير لنا، والطلاب محظوظون بتواجده معهم”.
رافق الأب إلياس زحلاوي في زيارته للمعهد الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتّاب العرب الذي توجه للطلاب بالقول: “الأب إلياس الزحلاوي قامة مسرحيّة كبيرة على مستوى الوطن العربي والعالم، وكان يعنينا ألّا تبقى مسرحياته وأفكاره من دون جمع: “هي مسرحيات مهمة جداً، ومنها مسرحية “وجبة الأباطرة” التي تُعد من أكثر المسرحيات أهمية التي كُتِبَت في تاريخ المسرح السوري، وأتمنى أن تتجسد بشكل عملي على أيديكم”، مشيراً في تصريحه لـ”البعث” إلى الدور الذي يقوم به المعهد العالي للفنون المسرحية وهو دور يستحق الشكر والتقدير لأنه يحاول أن تكون هناك صلة وصل حضاريّة وثقافيّة ومعرفيّة بين جيل الآباء المؤسسين للمسرح والجيل الجديد، وأنه إيماناً بهذه الفكرة من قبل الاتحاد ومجلسه التنفيذي تمت طباعة كتاب الأعمال المسرحية الكاملة لإلياس زحلاوي، وكان الاتحاد حريصاً على إهداء المعهد مجموعة من النسخ لتكون حاضرة بين أيدي الطلاب: “لأن معظم ما يُقدم في المسرح والدراما التلفزيونية يوجد انفصال كبير بينه وبين الواقع وبينه وبين التراث الذي نشأنا عليه، من دون إغفال مواكبة العصر، لكن مع ضرورة وجود انسجام وتماهٍ مع القيم التي نشأنا عليها والتي تمتد عميقاً في حضارتنا وثقافتنا ومنطقتنا التي نحيا فيها”، لذلك أوضح الحوراني أن الاتّحاد يشتغل هذه الفترة بشكل كثيف على كل ما له علاقة بالمسرح، وهناك محاولة لتجسيد إحدى المسرحيات للأب إلياس الزحلاوي ولعبد الفتاح قلعه جي مع تأكيده أهمية وجود تعاون مع المعهد في ذلك وأن يكون هناك خطوة عمليّة بينهما.