موارد بشرية هاربة!!
غسان فطوم
مرّ اليوم العالمي للموارد البشرية، الذي يصادف في العشرين من أيار كل عام، على ديارنا مرور الكرام باستثناء نشاط نظمته مؤسسة إدارة الموارد البشرية في مقرها بدمشق، ومن خلال متابعة مجرياته اتفق كل من حضر من مديري الموارد البشرية والعاملين في الشركات والمهتمين بهذا المجال على أهمية إدارة الموارد البشرية لشركات القطاعين العام والخاص كونها تعتبر من أهم عناصر الإنتاج ذو الجودة العالية والنوعية الممتازة، لكن ماذا عن واقع الحال؟
بصراحة.. ثمة تناقض بين ما يحكى ويقال وما هو واقع، فباستعراض سريع لحال مؤسساتنا لا نجد هذا الشغف فيما يتعلق بالتخطيط والتقييم والتحفيز والاستثمار الأمثل لمواردنا البشرية والمحافظة عليها، علماً أن هناك مديرية للتنمية البشرية، أو على الأقل دائرة في كل مؤسسة، مخصص لها موازنة جيدة الهدف منها إعداد خطط وبرامج وتطبيقات حديثة لتأهيل وتدريب الكفاءات وتزويدها، بل تمكينا من مختلف المهارات المطلوبة التي تمكّن بالنتيجة من زيادة الكفاءة الإنتاجية للعاملين.
ما سبق يعني أنه بالرغم من وضوح الأهمية الكبيرة للثروة البشرية الوطنية لتأمين حاجة السوق المحلية من اليد العاملة الماهرة والمدربة والقادرة على التعامل مع التقنيات الحديثة المتطورة، ما زلنا في مطارح عديدة نستعين بخبرات أجنبية تكلفنا الكثير بالعملة الصعبة. صحيح أن الأمر كان مشروعاً وضرورياً في سنوات خلت لكن يبقى “توب العيرة ما بيدفي.. وإن دفّا ما بيوفي”، فما نحتاجه اليوم هو برامج وتطبيقات تتوافق مع خصوصيتنا السورية من حيث آلية الإدارة والثقافة وطبيعة الصعوبات والمشكلات والمطبات التي تعترض خططنا الإصلاحية والتنموية، في ظل توجهنا نحو العالم الرقمي، وعلى صانع القرار أن يثق بقدرتنا على ذلك، فسورية باتت اليوم هي من تصدّر الكفاءات والخبرات للخارج، لذا المفروض أن نبتعد عن التصرف بعشوائية في التخطيط لتنمية مواردنا البشرية مستفيدين من تجارب الدول الرائدة في هذا المجال لنستطيع حماية موردنا البشري والمحافظة عليه، لأن ذلك أكبر تحدٍ لنا في ظل تزايد هجرة الكفاءات، وحاجة السوق المحلية إلى يد عاملة ذات مهارات عالية لديها القدرة على المنافسة في عالم متغير باتت التقنيات الحديثة هي التي تتحكم فيه.
بالمختصر، الحديث يطول بهذا الخصوص، لذا لا نريد للشعارات والأقوال وما يرافقها من ضجيج إعلامي أن تكون أكثر حضوراً من الأثر الفعلي الإيجابي على الأرض، فهذا مضيعة للوقت، والهروب من المسؤولية في محاولة لتجميل الواقع لن يطول أمدها، فعلى قول المثل “المي تكذّب الغطاس”، ما يعني أننا اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة لنظام إداري مبدع لإدارة الموارد البشرية نحقق من خلاله التوظيف والاستثمار الأمثل لها عندما نوفّر بيئة عمل جاذبة، فيكفي ما هدرناه وضيعناه من خبرات وكفاءات مشهود لها عالمياً، والتي يمكن وصفها بمنجم ذهب لا يقدّر بثمن!