اقتصادصحيفة البعث

أين هي من المشهد وما هو دورها؟ غرفة تجارة دمشق ذات التاريخ العريق بلا أثر ملحوظ!

دمشق – حسن النابلسي

ليس بشهادة التجار فحسب، بل بشهادة أحد أعضاء مجلس الإدارة: لم تشهد غرفة تجارة دمشق ذات التاريخ العريق أداءً ضعيفاً وصل بالغرفة لحد شبه انعدام لتأثيرها في المشهد التجاري، كالأداء الذي تشهده حالياً!

ما يدعو للأسف أن هذه الغرفة، والتي يعود تأسيسها إلى العام 1840، وتصنف بأنها أقدم غرفة تجارة بالعالم العربي، فقدت بريقها التجاري إثر تقلص دورها كمرجعية لشيوخ الكار، ولاسيما لجهة التعاطي الجاد مع الأسواق – المحلية خاصة والعالمية عامة – في مثل هذه الظروف التي تعيشها البلاد، والاشتغال على حث التجار على الاكتفاء بهوامش ربح منطقية، ومساندة الجهات الحكومية بقمع الممارسات الاحتكارية، ومحاسبة كل تاجر اتخذ من مصطلح “التحوط” الدخيل على الثقافة السورية نهجاً له في تجارته، ليس لضمان الربح فقط بل لتضخيمه، وغيرها من الممارسات التجارية الخارجة أدبيات غرفة عريقة مثل “غرفة تجارة دمشق”!

ولعل أبرز ما بثه عديد التجار من شجون يندرج تحت عنوان عودة ألق مصطلح “التجارة شطارة”، وما يعنيه من التزام شيوخ الكار به ممن تمرسوا عبر تاريخهم التجاري الطويل بأصول مهنة أُس رأسمالها الصدق والنزاهة، والالتزام بمواعيد ومواثيق قطعوها على أنفسهم أمام عملائهم المحليين والعالميين، بدلاً إدراج الاحتكار والتحوط ورفع الأسعار وغيرها من عناوين تحت مصطلح “الشطارة”!

بعض التجار أكدوا أن هذا المصطلح انحرف في الوضع الراهن كثيرا عن جوهره الأصلي، متخذا مسارا جديدا خطّه شيوخ كار جدد لم يرثوا أصول مهنة الأجداد على أصولها، معتمدين المعنى الأجوف للكلمة، والذي لم يتعد حدود جمع أكبر قدر ممكن من المال بغض النظر عن أي أسلوب أو طريقة يبررها محبي الثروة، ولو كانت على حساب المستهلك الذي يعتبر الحلقة الأضعف في سلسلة العملية التجارية ككل، مفضلين الاستيراد على التصدير الذي – على ما يبدو  – خرج من قاموس معظم التجار لاعتبارات لها علاقة بضغط التكاليف وتوفير الجهد والعناء، لدرجة أن أغلب تجارنا  تحولوا – حسب بعض المراقبين – إلى وكلاء اكتفوا باقتناء فاكسات يراسلون عن طريقها الشركات المتعاملين معها في الخارج لتقوم الأخيرة، بناءً على مضمون الفاكس، بإرسال الطلبيات إلى المرفأ، وعندها يأتي شيوخ الكار الجدد لاستلامها وتوزيعها على الأسواق المحلية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السفر أو حتى معاينة البضاعة في بلد المنشأ، ما حدا بالبعض إلى تسميتهم بـ “تجار المراسلة”!

ونختم بقصة طالما استشهدنا بها في هكذا مناسبة وتتمثل بما قام به رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد خلال أزمة المضاربة في تسعينيات القرن الماضي التي قام بها رجل الأعمال الأمريكي جورج سيروس في محاولة منه ضرب الاقتصاد الماليزي، حيث لجأ رئيس الوزراء آنذاك إلى منع المستثمرين من مغادرة بلاده لمدة عام كي يستعيد الاقتصاد عافيته، وبعد انقضاء فترة المنع فتح المجال لمن يرغب من المستثمرين بمغادرة البلاد، فما كان منهم إلا أن تراجعوا عن قرارهم السابق وآثروا البقاء ومتابعة الاستثمار في ماليزيا..

وتعيش سورية اليوم مرحلة حرجة تستدعي أن تكون فعاليات القطاع التجاري على قدر كبير من تحمل مسؤولياتها، لا أن تهاجر بعد أن قطفت ثمار امتيازات ما كانت تحققها في كثير من دول العالم، خاصة تلك التي نشأت وترعرعت من ألفها إلى يائها في ظل حماية ورعاية حكومية، وللإنصاف نذكر أن بعض رجال أعمالنا ممن لمعت أسماهم وشهرتهم الاقتصادية في بلاد الاغتراب لم يتنكروا لبلدهم في ظروفها الحالكة، فقدموا مبادرات إنسانية وخدمية للمتضررين، وأملنا معقود على الأعضاء الجدد في اتحادات غرفنا التجارية، لجهة التعاطي مع هذه المرحلة بجدية وتلافي الأخطاء السابقة، والعمل بالدرجة الأولى على تأمين احتياجات أسواقنا بأسعار منطقية، وتوفير فرص عمل لشريحة الشباب على اعتبار “ما حك جلدك مثل ظفرك”!