دراساتصحيفة البعث

  العلاقات الصينية الروسية لن تتأثر بالضجيج الغربي

 عناية ناصر

نشر مركز كارنيغي مقالاً قبل الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين في فترة ولايته الجديدة، يعدّ تعاون الصين العميق مع دول وسط وشرق أوروبا على أنه “سرقة” الصين لنفوذ روسيا. وهذا النوع من الدعاية يخفي حقيقة مفادها أن المزيد من الدول، مثل صربيا والمجر، غير راغب في التحالف مع الغرب. وهذه مجرد نسخة جديدة من زرع الفتنة بين الصين وروسيا، باستخدام كذبة “الصين تنتزع شركاء روسيا” لإثارة التوترات بين الصين وروسيا.

أولاً وقبل كل شيء، إن مثل هذا الخطاب يقلل من مكانة دول أوروبا الوسطى والشرقية، حيث لا يتفق كثيرون بالتأكيد مع وجهة النظر العالمية لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: “إذا لم تكن على طاولة النظام الدولي، فسوف تكون على القائمة”. إن دول أوروبا الوسطى والشرقية ليست أطباقاً لذيذة تستمتع بها القوى العظمى. إن البلدان، بغض النظر عن حجمها، لها الحق في اختيار شركائها ومساراتها الخاصة. ولم تكن بلدان أوروبا الوسطى والشرقية على استعداد قط لأن تكون مجرد بيادق في لعبة القوى العظمى، على الأقل ليس صربيا أو المجر. وبعد اندلاع الصراع الروسي الأوكراني عام 2022، وفي مواجهة ضغوط المعسكر الغربي، لم يختاروا الوقوف إلى جانب أوكرانيا والغرب، ولم يقطعوا التعاون مع روسيا.

وفي المجر، يُنظر إلى رئيس الوزراء فيكتور أوربان على أنه معارض لتقديم المساعدة لأوكرانيا وتصعيد الصراع داخل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من محاولة شيطنة الصين في الولايات المتحدة أثناء الانتخابات الرئاسية، فإن صربيا والمجر، بل حتى فرنسا، لا تزال ترى أن التعاون مع الصين يخدم مصالحها الوطنية إلى حدّ كبير، وهم على استعداد لاستقبال الصين على مستوى عالٍ وفتح أسواقهم أمام السلسلة الصناعية الصينية.

ربما لا يرجع السبب في عدم انضمام صربيا والمجر إلى أوروبا، فقط إلى عدم رغبة صربيا والمجر في الخضوع لتلاعب القوى العظمى. والأهم من ذلك أن أوروبا لم تكن قادرة على تزويدهم بما كانوا يتوقعونه. إن مناخ التصحيح السياسي الغامض في أوروبا ليس هو ما يحتاجون إليه، كما أن سلسلة التوريد للصناعة التحويلية التي يحتاجون إليها ليست بالشيء الذي تستطيع أوروبا، التي ظلت منذ فترة طويلة منغمسة في الاقتصاد غير الحقيقي، أن تقدّمه. وتشهد صربيا والمجر ودول أخرى الاتجاه الهبوطي في أوروبا وتختار شريكاً بعيداً بدلاً من الانحياز إلى جيرانها. وهذه مأساة أوروبا؟.

علاوة على ذلك، مهما حاول الغرب زرع بذور الشقاق، فإن ذلك لن يغيّر الاتجاه العام للتنمية المستقرة والصحية للعلاقات الصينية الروسية. ومن فكرة أن العلاقات بين الصين وروسيا هي “علاقة مصلحة” إلى سؤال المذيع الأمريكي تاكر كارلسون المقرّب من الرئيس السابق دونالد ترامب حول ما إذا كانت روسيا تشعر بالقلق إزاء هيمنة الصين على منظمة بريكس اقتصادياً، رفض الرئيس بوتين هذه الروايات ووصفها بأنها مجرد “قصص  لمحاولة بث الخوف”.

وتدرك الصين وروسيا جيداً الأجندة الغربية الرامية إلى زرع الفتنة بينهما، وتثبت الحقائق أن العلاقات الصينية الروسية لم تتأثر بالضجيج الغربي. خلال زيارة الرئيس بوتين للصين، وقّع زعيما الصين وروسيا بياناً مشتركاً وأصدراه بشأن تعميق شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا لعصر جديد بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ومن خلال التعاون من أجل مصلحة بلديهما وشعبيهما، فإن هذه هي القوة الدافعة الأساسية للعلاقات الصينية الروسية. وخلال زيارة الرئيس بوتين للصين، وقعت الصين وروسيا العديد من اتفاقيات التعاون الثنائي، الأمر الذي سيعزز تطوير العلاقات الثنائية.

أليس من الواضح للنخب الغربية أن هذا النوع من زرع الفتنة لا معنى له؟ وعليهم أن يعلموا أنهم عاجزون في مواجهة العلاقة المستقرة بين الصين وروسيا، ولا يمكنهم اللجوء إلا إلى إحداث الضجيج بسبب الإحباط. كلما كانت الهجمات الغربية على العلاقات الصينية الروسية أكثر حدة، أظهرت الأهمية المعاصرة لهذه العلاقة.

أثناء فترة التعاون الرفيع المستوى بين الصين وروسيا، شهدنا أن القوات الغربية بقيادة حلف شمال الأطلسي غير قادرة على تكرار ما فعلته في يوغوسلافيا السابقة والعراق، ولا يمكنها إساءة استخدام الآليات مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتنمّر على الدول الأضعف. ولذلك فإن وصف العلاقات الصينية الروسية بأنها عامل رئيسي في الحفاظ على النظام الدولي المعاصر هو أمر منطقي ومعقول، لأن استقرار هذه العلاقة يضمن التزام الغرب بالقواعد التي أنشأها بنفسه.

لا يمكن منع الغرب من خلق نسخ جديدة من الخطاب الاستفزازي بشكل مستمر، ولكن استفزازات الغرب تظهر مدى أهمية وقيمة الحفاظ على العلاقات بين الصين وروسيا.