ثقافةصحيفة البعث

“شهوة الخيال” لـ العفيدلي.. شعرية تجمع بين الأصالة والحداثة

سامر منصور

شهوة الخيال لدى الشاعر عبد الكريم العفيدلي لم تكن مجانيَّة، بل عبَّرت عن الضمير الحيّ والنفس الأصيلة التي لم تجد ما تشتهيه في الواقع العربي، فاشتهت خيالاً يُقرِّبُ لها ما يَليق، وجَسَّرت الخيال قوس نورٍ يُضيء في نفس القارئ العربي ما يُضيء على امتداد سبعٍ وأربعين قصيدة، قسمٌ منها من الشعر الموزون على ما يُسمّى بحور الشِعر الخليليَّة، والقسم الآخر من الشعر الحُر، استطاع العفيدلي أخذنا في رحلة بين الأصالة والحداثة، ورسم مشهديات مُعبِّرة في قصائده من فئة الشعر الحُر مُعتمداً تقنيات حداثويَّة، ومُنتهِجاً مبدأ السهل المُمتنع.
طغت على لوحة الغلاف الألوان الباردة وكأن الكفّ المُمسكة بكف أخرى تنتشلها، وكأنها منسوجة من حبرٍ ولي، وجاءت الألوان الحارة أشبه بنزفٍ وخضاب، أو هالة اشتعال وكأن الكف العُليا التي تنقذ الكف السُفلى، تتقد، بينما الكف السفُلى ينزُّ منها الطَمي، والطين والطمي يُحيلنا إلى الجسد والمادة، أما الاتقاد والتوهّج فيُحيلنا إلى الفينيق، وإلى شغف الحياة بكل ألوان عاطفتها مجتمعة تلك المقترنة بالجسد والأخرى المُقترنة بالنفس والعقل، وهذه رؤية من رؤى عديدة يَحتملها تصميم الغلاف الموحي وهو من إبداع رسام الكاريكاتور العالمي رائد خليل.

امتازت عناوين عديدٍ من القصائد بكونها مُبتكرة غير مسبوقة، تقوم على المُفارقة كـ “جنة الفقد”، و”ذهب الزمان”، و”دبكة العميان”، ونقتطف من قصيدة “لوحة من شِعر”:

في دمشقَ..

من الشُرفةِ المُطلَّةِ على قاسيون

كانت يدي تمتدُّ لتلامسَ النجومَ

أحاولُ أن أسرقَ بعضها..

وأخبِّئها لكَ في ثنايا قلبي

مع المطر..

كنت مبهوراً بتلك العناقيدِ المُتدلِّيةِ

تحتَ كلِّ عريشةِ ضوءٍ..

تنوَّعت الأغراض الشعرية في قصائد “شهوة الخيال” وتنوعت أساليب القصائد، حيث نجد الفخر والاعتداد بالانتماء والهوية ونجد النقد الاجتماعي وإضاءة حالات إنسانية لشرائح عُمرية مختلفة، حيث كان للطفولة نصيب عذب على سبيل المثال، كما نجد قصائد للمقاومة وغزَّة، وأبياتاً عن الشعر والشعراء.

جاء في قصيدة “قهوة مالحة”:
تغفو بداخلِ أعماقها
طفلةٌ خُذلت..
عجزَ العالمُ أن يستوعبها
ومَن ذا يستوعبُ في هذه الغابةِ
براءةَ طفلةٍ..
تبحثُ عن ظلالِ أصابعِ أمِّها
تلتفتُ حولَها.. لا أحدَ
هي كتلةٌ من عاطفةٍ
تسكنها تفاصيلُ الصورِ
المعلَّقةِ على جدرانِ الذاكرةِ
تحاولُ إرجاعَ عجلةِ الزمنِ
ومنعها من الدورانِ..
حينما كانت تعبِّيءُ الغيمَ
بأكياسِ الحُلُمِ..

يُذكر أن المجموعة الشعرية “شهوة الخيال” صادرة عن دار “العرب للطباعة والنشر”، على امتداد مئة وسبعٍ وعشرين صفحة من القطع المتوسط، وهذه هي المجموعة الرابعة للشاعر الذي صدر له “مصور بالعشا” شعر نبطي، و”أشرعة الهمس” شعر فصيح، و”أبو هاته” شعر نبطي.