المعايير الغربية المزدوجة بشأن مسألة تايوان
عائدة أسعد
إن التحدّي الأكبر الذي يواجه المجتمع الغربي، والمسؤول الأول أيضاً عن انحداره المطّرد، هو المعايير المزدوجة التي يمارسها تجاه كل القضايا ذات الأهمية العالمية، وقد أدّت تلك المعايير إلى تشويه سمعة المؤسسات والأنظمة والأمن في الدول الغربية، وتجدر الإشارة إلى أنه عندما يتم تطبيق معايير متضاربة على مواقف مماثلة، يزيد الإحباط.
وعلى سبيل المثال، تعدّ مقارنة مسألة تايوان بالأزمة الأوكرانية أحد الأخطاء الأكثر شيوعاً التي ترتكبها وسائل الإعلام والمحللون الغربيون، وتسعى مثل هذه المقارنات السطحية إلى تبسيط قضيتين مختلفتين ومعقدتين وصعبتين للغاية.
إن مسألة تايوان تشكّل شأناً داخلياً للصين، في حين تشكّل أزمة أوكرانيا قضية قانونية دولية ناجمة عن توسّع حلف شمال الأطلسي المستمر نحو الشرق لتقييد قدرة روسيا على العمل على المستوى الدولي، ومسألة تايوان والأزمة الأوكرانية أمران مختلفان وفقاً للقانون الدولي لأن مسألة تايوان تتعلق بإعادة توحيد جزيرة تايوان مع الوطن الأم وتطبيق مبدأ صين واحدة.
ومن ناحية أخرى، أكّدت موسكو أن تحرّكاتها تهدف إلى حماية ذوي الأصول الروسية في أوكرانيا ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) وإيصال التحالف العسكري الغربي إلى عتبة بابها وبالتالي تشكيل خطر أمني كبير.
لكن وسائل الإعلام الغربية تتعمّد خلط هذه القضايا، فقد ظلت تايوان جزءاً لا يتجزأ من الصين منذ العصور القديمة واحتلتها اليابان بعد الحرب الصينية اليابانية الأولى (1894-1895)، ولكن بعد استسلام اليابان غير المشروط الذي أنهى الحرب العالمية الثانية في عام 1945، حدّد إعلان بوتسدام (1945) عودة تايوان إلى الصين وإعلان القاهرة عام 1943 أيضاً، كما نصّ قرار الأمم المتحدة رقم 2758 بوضوح ودون لُبس على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وأن معظم دول العالم تلتزم بمبدأ الصين الواحدة.
ومع ذلك، قارنت وسائل الإعلام الغربية الكبرى الصراع الأوكراني بشكل خاطئ بمسألة تايوان، ما يشير بشكل أساسي إلى أن الصين ستتبع خُطا روسيا باتخاذ إجراء عسكري ضد الجزيرة لتحقيق إعادة التوحيد الوطني على الرغم من أن الصين ظلت تسعى إلى تحقيق هدف إعادة التوحيد الوطني لأجيال عديدة، منذ عام 1949، أي قبل الأزمة الأوكرانية بوقت طويل.
وعلاوة على ذلك، فإن مثل وسائل الإعلام تلك لا تأخذ في الاعتبار أبداً تلك الأصوات في الجزيرة التي تسعى إلى إعادة التوحيد السلمي، ومن خلال تشجيع القوى الانفصالية في الجزيرة على تكثيف تحرّكاتها وبيع أسلحة بقيمة مليارات الدولارات إلى الجزيرة بحجّة حماية المصالح الأمريكية في آسيا، تتدخل واشنطن بشكل صارخ في الشؤون الداخلية للصين وتتسبّب في عدم الاستقرار الإقليمي.
إن “القرن الآسيوي” يبشر بفترة من السلام والوئام العالمي، وخاصة أن تاريخ آسيا كان أقل ميلاً إلى القتال في القرون الأخيرة مقارنة مع الغرب، كما أن الصين تقود الجهود العالمية لتحسين الحوكمة العالمية للمساعدة في بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، حيث لا مكان للحروب والفوضى، بينما تعمل الولايات المتحدة في المقابل على تعزيز عدم الاستقرار العالمي للحفاظ على هيمنتها العالمية.
وأما الدول الغربية فقد خلقت من خلال اللجوء إلى المعايير المزدوجة تحدّياتٍ خطيرة لدول أخرى، ففي حالة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بات من الواضح أن السياسة التي تنتهجها “إسرائيل” تتجاهل الإجراءات الوقائية الرامية إلى تقليص الخسائر في صفوف المدنيين.
وتشكّل سياسات الهجرة غير المتماسكة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، والتي تهدف في الأساس إلى منع دخول الأجانب إلى الاتحاد الأوروبي، مثالاً رئيسياً آخر على المعايير الغربية المزدوجة، وتسعى الدول الأوروبية الآن إلى حماية نفسها من العواقب السلبية لحكمها الاستعماري، الذي تسبّب في معاناة كبيرة لشعوب دول الجنوب العالمي ودفع بالعديد منها إلى عدم الاستقرار السياسي.
وعلاوة على ذلك، لم تؤدِّ سياسات التدخل الغربية لتعزيز ما يسمّى الديمقراطية في بلدان أخرى إلا إلى تدهور الوضع في تلك البلدان، وتُعَدّ أفغانستان والعراق وليبيا، على سبيل المثال لا الحصر، أمثلة واضحة على غطرسة الغرب وموقفه العارف بكل شيء، الذي حكم على الملايين من الناس بالموت، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والفوضى السياسية.
إن الغرب يفشل بسبب معاييره المزدوجة، ورفضه الاعتقاد أن العالم يحتاج إلى السلام والرفاهية والاستقرار، كما أن الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة يرفض أيضاً قبول فكرة أن مسألة تايوان هي شأن داخلي للصين، ويستمرّ في التدخل فيها لتحقيق أهدافه السياسية الضيقة، ولا بدّ من التنويه إلى أنه يجب أن تكون حرب فيتنام التي أودت بحياة الملايين والتأثير المستمر للعامل البرتقالي على الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا بمنزلة تذكير دائم بأن الغرب يخلق مشكلاتٍ في كل قضية يتدخل فيها ولكنه لا يستطيع حلها أبداً.