“الأمثولة” والرمز من عمال المصفاة إلى مجلس الشعب
أحمد حسن
ربما لم تكن الصدفة وحدها هي ما يقف خلف التزامن الملفت بين ثناء السيد الرئيس بشار الأسد على جهود وشجاعة عمال مصفاة حمص في إخماد حريق الوحدة “100”، وبين إعلان القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي شروط ترشّح الرفاق الحزبيين لمجلس الشعب وآلية الاستئناس الحزبي الخاص بهم، فالتاريخ، وتلك ميزته الكبرى، لا يعترف بالصدفة، أو للدقة أكثر لا تحرّكه الصدفة، بل الرؤية الواضحة والإرادة الحقّة والتحضير الجيد والعمل الدؤوب في سبيل تحقيق النتائج والأهداف.
بهذا المعنى نقرأ تلازم الحدثين، ففيما كانت قيادة “البعث” تضع الشروط الإجرائية للمرشّح الحزبي إلى المجلس عبر إعلانها الأخير، وضع الرئيس الأسد المثال العملي بشروطه الأخلاقية والوطنية لهذا المرشّح، وسواه من بقية فئات الشعب، عبر ثنائه على ما قام به عمال المصفاة.
والحق فإن أبرز ما ميّز “العمال”، إلى جانب الشجاعة في مواجهة الخطر، كان تلك “المهنية والكفاءة” العاليتين اللتين تشاركتا مع “روح المسؤولية العالية التي تمثّلت في أدائهم مهامهم” ليتوّج ذلك كلّه تنسيقاً وتنظيماً رائعين للعمل، ما سمح لهم بإنجاز مهامهم في مواجهة النار للسيطرة على الحريق “بزمن قياسي دون وقوع خسائر بشرية”، وتلك هي الأمثولة الكبرى التي يجب علينا جميعاً، وعلى اختلاف مواقعنا ودرجاتنا في العمل الوطني، أن نتحلّى بها.
والحال فإن “الرمز” أو “المثال” هو ما نحتاجه اليوم لمواجهة ما يمرّ بنا، وفعل عمال المصفاة، كما سواهم في القطاعات الأخرى، يثبت أنه موجود وبكثرة ولا يحتاج منا سوى تسليط الضوء، وبكثافة، عليه في مرحلة أولى، وإعادة “تكييفه”، بكل ما تتضمنه هذه التعابير من معانٍ، في مرحلة ثانية بما يتناسب مع الواقع والمأمول.
وهنا يأتي موقع هذه “الأمثولة” في انتخابات مجلس الشعب – والحكومة لاحقاً – لأنه بحكم دوره وشمولية تمثيله يمثّل حقيقة فكرة “تجديد الرهان على الدولة بمؤسساتها المختلفة”، وهو الرهان الفاعل الوحيد أمام السوريين، وقد فعّلوه ودافعوا عنه منذ اليوم الأول للحرب على سورية في وجه كل من راهن على إخضاع السياسة وتدمير الاقتصاد و”نهب” الجغرافيا في سياق مخطط “إسقاط الدولة”، كياناً ومقاماً ودوراً. وإذا كان الإرهاب ورعاته في الخارج، والفاسدين والمقصرين في الداخل، هم من يمثّل رهان الإسقاط، فإن “رهان” قيام الدولة وتفعيل مؤسساتها لا يمثّله اليوم أفضل من عمال المصفاة في مأثرتهم البطولية الأخيرة.
وبهذا يبرز التلاحم اللافت بين الحدثين المتزامنين، فإضافة إلى الـ “قول” السياسي الموجّه للخارج من انتخابات “المجلس” وانتظامها، ومفاده أن الدولة راسخة وتعمل وفق أجندتها الدستورية المحترمة بمواعيدها المحددّة كما بآلياتها الإجرائية، فإن “قوله” الداخلي يبدو أكثر أهمية هذه الأيام باعتبار أن “القول” الموجّه للخارج لن يكون واضحاً ومجدياً – وخاصة في ظل العقوبات الاقتصادية الجائرة وغير المشروعة – إلا إذا استند على ركيزة داخلية متماسكة من بنى محليّة قادرة على المجابهة، وهذا ما يجعل من المشروع، والملحّ، “إنتاج” مرشحين مؤهلين وقادرين على “تشريع” هذه البنى وترسيخها، وذلك يتطلب، بدوره، “غربلتهم”، حزبياً وشعبياً، استناداً إلى بنيتهم السياسية والوطنية وانحيازاتهم الاجتماعية والاقتصادية وعدّتهم النظرية والعملية والأخلاقية الكفيلة بذلك.
تلك هي الأمثولة التي أرادها السيد الرئيس من ثنائه على عمال المصفاة، لكن تنفيذها هو “مسؤولية الناخبين قبل كل شيء آخر”؛ لأن “الديمقراطية مسؤولية” نأمل جميعاً أن نقوم بها، يوم الانتخاب، على أكمل وجه ممكن، ولتكن مواصفات هؤلاء “العمال” وإرادتهم ودأبهم ومثابرتهم وتنظيمهم هي الدليل أمامنا لإنتاج المجلس الجديد.