عيسى أسعد: ما يسمى “نظم” فقاعات لا علاقة له بالشعر
حمص ـ عبد الحكيم مرزوق
الشاعر الدكتور عيسى أسعد من الشعراء المهمين على الساحة الشعرية في سورية، وعلى الرغم من ذلك لم يأخذ حظه من الشهرة، وربما يعود ذلك إلى كونه طبيباً متخصصاً بمعالجة القلوب التي اتعبتها الحياة بكل تفاصيلها، لذلك لا تحتوي المكتبة العربية إلا ثلاثة كتب له: الأول نثري بعنوان “قطاف الزمن الآخر”، والثاني طبي بعنوان “قلبك بين يديك”، والثالث مجموعة شعرية بعنوان “حديث الأنسام ولديه مخطوطات عدة غبر مطبوعة، ربما تطبع في السنوات القادمة إذا وجد مؤسسة ثقافية تتبنى طباعته.
بقيت تجربة أسعد في الظل سنوات طويلة لم تحظ بالدراسة والنقد على الرغم من أهميتها.. التقيناه، مؤخراً، وتحدث عن دور البيئة في تنمية موهبته الشعرية بالقول: “الإنسان هو ابن أمه وأبيه، لكنه أيضاً ابن بيئته، فالذي يتوسد بساطاً من زهور الفل والأقحوان، في ظل نخلة باسقة أو سنديانة وارقة سيكون العندليب صديق وفي له، وريح الصبا سفيراً فوق العادة لأصداء أشعاره، ليس كالذي يتوسد بيدراً من الأشواك والحصى، وليس هناك من غصن يتفيأ في ظله”.
وحول تأثير طبيعة المكان في شعره كونه ابن بلدة مرمريتا القابعة وسط غابة من الجمال قال: “أنا ابن مرمريتا الوفية لأبنائها، ولكل إنسان يحترم ذاته، وقد أكرمها الله بموقعها الجغرافي الجميل، وبأبناء بررة، هم حقاً أبناء حياة، وهكذا على الرغم من أن هناك الكثير من القرى الأكثر عراقةً منها زمنياً، فقد فاقتهم جميعاً بسرعة تطورها وأصبحت خزان معرفة وحاضنة للكثير من المواهب الخلاقة، وهذا الزخم المعرفي لا بدّ من أن يكون راعياً صالحاً للمواهب وتربة خصبة لإنمائها، ومرمريتا من بواكير تكوينها أكرمها الله بالعديد من المشاهير أدباً وفناً وثقافة”.
أما الأدباء الذين تأثر بهم فهم كما يوضّح: “من بواكير مراهقتي كنت مفعماً بالحيوية، شغوفاً بالمطالعة، وخاصة كتب التاريخ والعلوم، وكان الشعر ثروتي مما يعطى لنا في المدرسة، وفي المرحلة الثانوية والجامعية ازداد شغفي بالمطالعة، وكانت تدهشني كتابات جبران، وتغريني بتكرار قراءتها، وكان شعر عنترة يثيرني ويدهشني لسلاسته، وما ينطوي عليه من أحاسيس صادقة، وأذكر أنني حين جئت إلى حمص أصبحت صديقاً وفياً للمركز الثقافي الغني بألوان مختلفة من الكتب، وهذا ما أورثني ثقافة موسوعية مع الزمن، لكنني حتى تلك اللحظة لم أكن متأثراً بأحد دون آخر.
ورداً على من يصف تجربته الشّعرية بأنّها مزيج من تجارب نزار قباني وجبرا خليل جبران يقول: “نعم هناك كثيرون ممن قرؤوا لي أو أكرموني بحضورهم في أمسياتي يقولون إن في شعري الكثير من خصائص شاعرنا الكبير نزار قباني، وبعضهم الآخر يرى أنه شبيه بشعر إيليا أبي ماضي أحد أبرز شعراء المهجر، وأما كتاباتي النظرية فهي جبرانبة بنسقها وما تنطوي عليه”.
وأكد عيسى أنه لم يكتب إلا الشعر العمودي منذ اللحظات الأولى، وفيما بعد بدأ بكتابة شعر التفعيلة، وأما شعر النثر فلا علاقة له به ويقول إنه شاعر لا ناقد، ولا يهمه أي ثوب ترتديه الكلمة، وما يهمه هو ما تنطوي عليه، مضيفاً: “ما يسمى نظماً هو برأيي فقاعات على الزبد المائي، لا علاقة له بالشعر ولا علاقة لي به”.
وحول ما يسمعه من الجيل الجديدة أوضح أن “هناك مواهب شعرية واعدة عليها ألا تستعجل الشهرة، وإلى جانب هذه المواهب الواعدة هناك أرتال وأرتال من مدّعي الشعر، خاصة عند المراهقات، ولأنني أؤمن بحرية الإنسان فلا يضيرني ما تنطوي عليه أشعار مراهقاتنا”.
ورداً عما إذا أخذته مهنة الطبّ من الشعر قال: “لا لم تأخذني مهنة الطب من الشعر، وفي أمسية جمعتني مع الصحفي يوسف الحمود أيام الدراسة الجامعية، سألني حينها عمّا أفعله في كلية الطّب وأنا شاعر واعد فأجبته آنذاك بقولي إنّ الطب صنعة والشعر موهبة، وما الغرابة في أن تكون موهوباً وذا صنعة، والحقيقة هي أن عملي كطبيب أغنى تجربتي بشكل مثير للدهشة، لأن مهنة الطب من أنبل المهن التي تنمي محبتا للآخر، وتجعلنا الأقرب إلى ما يجب أن تنطوي عليه إنسانيتنا في كل الفنون”.
الحديث عن الطب والشعر يذكرنا بما خاطب به الشاعر نزار قباني طلاب كلية الطب يوماً، غذ قال إنهم مساكين لأنهم لا يعرفون عن القلب سوى أنه مضخة تضخ الدماء إلى أنحاء القلب قال أسعد: “القلب ليس مصخة فقط، بل هو مجرة أحاسيس، ومشاعر باتساع الكون، وهو سدته العاطفة الخلاقة والعاطفة هي عطر الحياة، وهو يختزن أنبل كنوزنا وهي عشقنا للجمال، وإيثارنا للحب والوفاء، والصديق الوفي لنا في سرائنا وضرائنا”.