صحيفة البعثمحليات

رفاهية!

بشير فرزان 

ندرك جميعاً أن المؤسّسات الحكومية تعاني ما تعانيه من خسائر وفقدان تام للسيولة المالية إلى الحدّ الذي باتت فيه غير قادرة على تأمين رواتب الموظفين فيها، إلا أن ذلك لم يؤثر على رفاهية إداراتها التي تحرص على مستواها الترفيهي ضمن مسار سمعة العمل الحكومي والبرستيج الوظيفي من مستوى الـ7 نجوم.

ولا شكّ أن ما يحصل في ملف السيارات الحكومية بأنواعها “الفارهة” يشكل فارقة كبيرة على مستوى الالتفاف على القرارات الناظمة والضابطة لأي سلوكيات وممارسات شاذة عن الواقع، وبات الملف الأكثر هدراً للمال العام “الدجاجة التي تبيض ذهباً” والتي يمسك قرار صرفياتها لجان الإصلاح حسب أهوائهم ومصالحهم التي تتيح لهم الاستحواذ على النسب الأكبر من مخصّصات الإصلاح والصيانة على حساب باقي السيارات الموجودة على قوائم العمل والتشغيل، هذا عدا عن تفرّد بعض المسؤولين بأسطول من السيارات الفخمة “الذهبية” التي ترهق ميزانية المؤسسات بالوقود والإصلاح، وتصل إلى مئات الملايين من الليرات السورية، وتكرار سيناريو الصرفيات على السيارات نفسها كلّ عام، في الوقت الذي تُحرم السيارات الأخرى من مخصّصاتها مع إحياء لمخصّصات بعض السيارات الميتة فنياً واستثمارها للحالات الشخصية.

وللأسف، هذا الملف في محلّ تنازع واختلاف دائم، إن لم نقل اقتتال بين المسؤولين في المؤسسات، والدليل أن قرار رفع سقف إصلاح السيارات الحكومية لم يعد بالفائدة إلا على السيارات الذهبية التي تبقى خارج أي حسابات أو قوانين، فليس هناك سقف طالما يتمّ حرمان سيارات أخرى من مخصّصاتها لتجرّ الملايين إلى شيكات الصرف بالاحتيال وعقد الصفقات البينية والالتفاف على القانون، مع العلم أن قرار الرفع شمل سيارات النوع السياحي “بيك آب – حقلية”، حيث تمّ رفع المبلغ من 600 ألف ليرة إلى 5 ملايين ليرة، ورفع سقف إصلاح سيارات الركوب المتوسطة (الميكروباص) وسيارات الركوب الكبيرة (الباصات) وسيارات النقل الكبيرة التي لا يتجاوز وزنها الإجمالي 11 طناً من مليون ليرة إلى 10 ملايين ليرة سنوياً، والدراجة النارية الحكومية بمبلغ 300 ألف ليرة سنوياً، فيما سمح بتبديل الزيت كلّ ثلاثة أشهر وتبديل البطارية كل سنتين والإطارات كل 3 سنوات، وذلك وفق تقرير فني من اللجان المختصة لدى الجهة العامة والوزارة.

والغريب أن الكثير من طلبات الإصلاح التي تستهدف سيارات العمل الفعلي تُهمل، حيث لا تتاح لها فرصة الولوج إلى ورشات الصيانة بحجة عدم توفر السيولة وإجراءات الترشيد، في الوقت الذي تصرف مئات الملايين على سيارات لا قيمة لها في العمل وما أكثرها، وهي تؤدي خدمات عائلية ومستثناة من أي ارتفاع في أجور الإصلاح وقطع التبديل والزيت والمحروقات، وفواتيرها مفتوحة لخدمة أصحاب الأقلام الخضراء ومن يلفّ لفيفهم، وللحديث بقية بالأدلة والوثائق مع أخطر ملف يعيق سياسات وخطط إصلاح وتطوير المؤسّسات العامة بكافة قطاعات عملها، ويستنزف المليارات لصالح من ينادي بشعارات الإصلاح، ويناجي من أجل محاربة الفساد ومساءلة من يعمل خارج مظلات القانون وتحت سقف مفاهيم الوصاية والرعاية التي تكثر استثناءاتها ولاءاتها للقانون.. فهل سيكون هناك تبديل حقيقي في هذا الملف، وخاصة لجهة السيارات الذهبية التي تصل قيمتها إلى بلايين الليرات وعائداتها الحقيقية على المؤسّسة والصالح العام لاتتعدى “…”، أم يبقى “الحبل على الغارب، كما يُقال”؟!