معروف الأرناؤوط بين الصحافة والأدب
أمينة عباس
استعاد مجمع اللغة العربية سيرة الكاتب معروف الأرناؤوط بين الصحافة والأدب من خلال المحاضرة التي قدّمها، ظهر أمس الأربعاء، الباحث أحمد بوبس عن شخصية جذورها القريبة ليست عربية، وهو ما دعا رئيس المجمع الدّكتور محمود السّيد للتعبير عن إكباره لـ “أيّ مثقّف انتمى إلى هذه الأمة، وكان حريصاً على أن تكون تعبيراته عن حضارتها وثقافتها باللغة العربية، لأنّ اللغة العربية هي الموحّدة وهي لغة الحضارة سابقاً ولاحقاً ومستقبلاً، ولا يمكننا إلّا أن نعزّز هذا الرابط الذي يجمع بين أبناء الأمة في مشرقهم ومغربهم، وأن نكبر عالياً كلّ من ينتمي إلى هذه الثقافة واللغة”.
رسّخ الأرناؤوط، وهو أحد روّاد الصحافة والأدب في سورية، في أدبه وكتاباته الصحفية مفهوم العروبة والقومية العربية على الرغم من أن جذوره القريبة ليست عربية، يوضح بوبس: “خلال دراسته انكبّ على قراءة كتب اللغة العربية والأدب وكتب التاريخ، وبشكل خاص التاريخ العربي حتى غدا موسوعة في اللغة والتاريخ”، ورأى بوبس أن كلّ ذلك أهّله ليخوض غمار الكتابة في منحيين: الصحافة والأدب، مضيفاً: “كانت الصحافة الأسبق، ثم خاض غمار الكتابة الأدبية، فبدأها بالمسرحية، ثم انتقل إلى الرواية التي كانت ميدانه الأكثر رحابة”، ففي الصحافة بدأ الأرناؤوط أولى كتاباته في عدد من الصحف البيروتية، وفي العام 1914، ومع بدء الحرب العالمية الأولى، وعندما قامت الثورة العربية في الحجاز انضمّ إلى القوات التي رافقت الأمير فيصل إلى دمشق عام 1918 فشارك في رفع علم الثورة العربية الكبرى فوق دار الحكومة، كما تولّى رئاسة تحرير مجموعة من الصحف، إلى أن قام بإصدار صحيفة خاصة فيه حملت اسم “فتى العرب” وصدر عددها الأول عام 1920 وكانت يومية مسائية، واستمرت بالصدور حتى العام 1958 أي بعد وفاته عام 1948. يقول بوبس: “كانت “فتى العرب” من أشهر صحف دمشق لرصانة مواضيعها واهتمامها بالشؤون الأدبية والفكرية، بالإضافة إلى أسلوب الأرناؤوط السلس والمشوّق في الكتابة، وخلال فترة الاحتلال الفرنسي لسورية عُطلت أكثر من مرة بسبب مواقفها الوطنية المطالبة بالاستقلال، وكانت افتتاحية الجريدة قطعة أدبية رائعة الديباجة، كاشفاً فيها عن نزوعه السياسي إِلى نهضة عربية قومية، وقد ساهمت في تشكيل الوعي الوطني والقومي عند الناس”.
ويذكر بوبس أن معروف الأرناؤوط كان حريصاً على تخصيص قسم من جريدته للدراسات الأدبية والبحوث التاريخية والترجمات الشعرية، وقد كتب فيها كتّاب عرب كبار أمثال عباس محمود العقاد ومحمد حسين هيكل وأحمد شوقي وإبراهيم عبد القادر المازني وخليل مطران، وغيرهم.. وعن كتاباته الصحفية والروائية يقول بوبس: “تأثر معروف الأرناؤوط بعبد الرحمن الكواكبي، وبشكل خاص في كتابه “أم القرى” الذي صاغ فيه نظرية القومية العربية”.
كانت بدايات معروف الأرناؤوط الأديب من خلال ترجمة الأعمال الأدبية العالمية الروائية والمسرحية عن اللغة الفرنسية، وعلى الرغم من أن شهرته تحقّقت في الروايات التي كتبها إلا أن بداياته كانت في المسرح، حسب بوبس: “كان هدفه من الكتابة المسرحية ترجمةً وتأليفاً الدخول في عالم التمثيل، فكتب عدة مسرحيات، ولكن المسرحية الأهم التي كتبها كانت “جمال باشا السفاح” التي تحولت إلى عرض مسرحي من خلال المخرج عبد الوهاب أبو السعود وعُرضت في ساحة المرجة عام 1919 بحضور الأمير فيصل، وفيها تحدث عن جرائم السفاح، وبشكل خاص إعدامه شهداء السادس من أيار، ومن ثم انهزامه ودخول الأمير فيصل إلى دمشق”.
وبيَّن بوبس في محاضرته أن الكتابة الروائية، والتاريخية منها بشكل خاص، استهوت الأرناؤوط فهجر المسرح: “لأنه وجد أن الرواية أكثر رواجاً وقبولاً بين الجمهور، وأقل قيوداً من الكتابة المسرحية التي تُقيّد الكاتب بشروط فنية أكثر صرامة من الرواية”، متوقفاً مطوّلاً عند رواياته “فردوس المعرّي”، و”على ضفاف البوسفور”، و”عمر بن الخطاب”، و”طارق بن زياد” و”سيد قريش” التي أصدرها عام 1929 وحققت له شهرة واسعة ونالت إعجاب النقاد ومحمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي وهي “رواية اجتماعية تاريخية، تتناول الحياة الاجتماعية والسياسية في الجزيرة العربية والعراق والشام قبل البعثة النبوية وخلالها، فكانت مرجعاً تاريخياً مهماً، بالإضافة إلى كونها عملاً أدبياً، وأعيدت طباعتها مرات عديدة، آخرها الطبعة الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2008 بمناسبة اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية”، كما يذكر بوبس أن رواية “على ضفاف البوسفور” نشرها الأرناؤوط باسم مستعار خوفاً من ردود أفعال الجمهور والنقاد بعد روايته “سيد قريش” لأنه تناول فيها قصة حب عاشها في شبابه أيام خدمته العسكرية في استنبول، وكتبها آنذاك، لكنه لم ينشرها في حينه”.
وعن معروف الأرناؤوط والشعر يقول أحمد بوبس: “لم ينظم الشعر إلا مرة وحيدة حين نظم قصيدة وألقاها وهو في السادسة عشرة من عمره في حفل تكريم الشاعر العراقي معروف الرصافي بمناسبة زيارته إلى بيروت، لكنّه ترجم عدداً من القصائد لشعراء فرنسيين، وأعاد نظمها شعراً، ومن هذه القصائد “وقفة في الطلول” لأندريه شينيه و”دموع لامارتين” للشاعر ألفونس دي لامارتين، ولم ينسَ بوبس كذلك الحديث عن الأرناؤوط المجمعي الذي انتُخب عضواً عاملاً في المجمع عام 1930 بترشيح من محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي بدمشق، مذكّراً كذلك بما خلّفه بعد رحيله من مخطوطات لم تُطبع: “بعضها لم يكتمل، لكنها فُقدت جميعها، وهذه المخطوطات هي: رواية “القاهرة” وقد بدأ بكتابتها عام 1943 لكنه رحل قبل أن يتمّها، ومذكّراته التي حملت عنوان “حياتي” و”تاريخ الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر”.
يُذكر أن معروف الأرناؤوط ولِد في بيروت ورحل في دمشق التي دُفن فيها، وبعد رحيله نعته مجلة “الرسالة” المصرية ومجلة “الأهرام”.