دراساتصحيفة البعث

فضائح الموساد لا تنتهي

سمر سامي السمارة

بعد أيام قليلة على إعلان المحكمة الجنائية الدولية إصدارها مذكرة اعتقال بحق اثنين من كبار المسؤولين الإسرائيليين بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، كشف تقرير استقصائي صدر مؤخراً، أن رئيس الاستخبارات الإسرائيلية أمضى قرابة عقد من الزمن في ترهيب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لوقف التحقيق في جرائم الحرب.

فتحت المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة، تحقيقاً أولياً في جرائم “إسرائيل” الوحشية في فلسطين في عام 2015، بعد عام من عدوانها العسكري على غزة الذي أدّى إلى استشهاد ما يزيد على 2251 فلسطينياً في أقل من شهرين.

وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية والبريطانية، فإن بنسودا وفريق الادّعاء التابع لها تلقوا تحذيراتٍ من الموساد ووكالة الاستخبارات الإسرائيلية، كما مارس الرئيس السابق لجهاز الموساد يوسي كوهين، ضغوطاً عليهم لعدم المضي في التحقيق الجنائي في قضية فلسطين أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وبعد لقاء قصير مع بنسودا في مؤتمر ميونيخ للأمن في عام 2017، نصب كوهين “كميناً” للمدّعي العام في أحد فنادق نيويورك في عام 2018، عندما كانت بنسودا تلتقي برئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية جوزيف كابيلا.

وذكرت صحيفة الغارديان أن هذين الشخصين التقيا عدة مرات للحديث حول التحقيق المستمر الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المرتكبة في بلاده، ومع ذلك، يبدو أن الاجتماع كان مجرد ترتيبات. وفي مرحلة معينة، بعد أن طُلب من فريق بنسودا مغادرة الغرفة دخل كوهين. ووفقاً لما ذكرته ثلاثة مصادر مطلعة على الاجتماع، فإن الظهور المفاجئ تسبّب في قلقهم، ومن غير الواضح لماذا ساعدت بنسودا ومجموعة من مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية كوهين، ولكن تم الكشف عن العلاقات بينهما في عام 2022 من المنشور الإسرائيلي “ذا ماركر”.

ووجد التحقيق أن كوهين الذي تقاعد في عام 2021، اتصل مراراً وتكراراً ببنسودا وسعى إلى عقد اجتماعات معها بعد “الكمين”، ما دفع بنسودا في النهاية إلى تنبيه كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بشأن سلوك رئيس الموساد بعد أن تحوّلت تكتيكاته إلى “التهديدات والتلاعب” وقارن أحد مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية سلوك كوهين بـ”المطاردة”.

اجتمع كوهين أكثر من ثلاث مرات مع بنسودا بين عامي 2019 و2021، ووفقاً  للروايات التي تمّت مشاركتها مع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، قال لها: “يجب عليك مساعدتنا ودعينا نعتني بك، أنت لا تريدين التورّط في أشياء يمكن أن تعرّض أمنك أو أمن عائلتك للخطر”.

وفقاً لمصدرين على دراية مباشرة بالأمر، اهتم الموساد بشدة بأفراد عائلة بنسودا وحصل على نسخ من التسجيلات السرية لزوجها، ثم حاول المسؤولون الإسرائيليون استخدام هذه المواد لتشويه سمعتها.

إن التهديدات ضد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يمكن أن ترقى إلى مستوى الجرائم ضد إدارة العدالة، وهو انتهاك للمادة 70 من نظام روما الأساسي، الذي أنشأ المحكمة في عام 1998. وعلى الرغم من أن “إسرائيل” ليست من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي ولا تعترف بسلطة المحكمة الجنائية الدولية، لكن لا يزال من الممكن محاكمة المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم كوهين، بتهمة ارتكاب جريمة ضد إدارة العدالة.

وبعد تهديدات كوهين ضد عائلة بنسودا وحياتها المهنية، فتحت المحكمة الجنائية الدولية في عام 2021 تحقيقها الرسمي في جرائم الحرب التي يعود تاريخها إلى عام 2014. وفي الأيام القليلة الماضية، أعلن المدعي العام الحالي للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، أنه يسعى للحصول على أوامر اعتقال لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب يوآف غالانت لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

من جهته، قال الصحفي الاستقصائي برانكو مارسيتش: إن الكشف عن استهداف كوهين لبنسودا في خضم تحقيقه الأولي، يثبت أن حكومة الكيان الصهيوني “خارجة عن السيطرة تماماً”، ويرجع ذلك جزئيًاً إلى استمرار الدعم السياسي والمادي الأمريكي، وهو أكبر ممول عسكري دولي لها، الأمر الذي يجعلها تستمر بارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني مع الإفلات من العقاب.

وذكرت صحيفة الغارديان أن “الجهود الدبلوماسية كانت جزءاً من جهد منسق بذلته حكومتا نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ذلك الوقت لممارسة الضغط العام والخاص على المدعي العام وموظفيه”.

وكانت إدارة ترامب فرضت عقوباتٍ بما في ذلك قيود على التأشيرة على بنسودا بين عامي 2019 و2020، زاعمة أنها فعلت ذلك انتقاماً من تحقيق منفصل في جرائم حرب تتعلق بأفغانستان، حيث ادّعى وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو أن العقوبات قد فرضت لأن المحكمة الجنائية الدولية “تضع إسرائيل في مرمى النيران”.

من جهتها، قالت الدكتورة تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي لفنون الحكم المسؤول: إن التقارير الصادرة يوم الثلاثاء أشارت إلى أن “إسرائيل” تتحوّل بسرعة إلى “دولة منبوذة”، وأن الأمر لا يقتصر على ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، بل نكتشف الآن أنها تستخدم رئيس الموساد للتهديد بإيذاء أفراد عائلات المدّعين العامين للمحكمة الجنائية الدولية.