ضحى أحمد: تعدد الأصوات يخلق حيوية في السرد وبراعة في حركة شخصيات الرواية
طرطوس- هويدا محمد مصطفى
ضحى أحمد قاصة وروائية تستحدث عوالمها من تداعيات الذاكرة والواقع والزمن، فهي تنتمي للرؤية المفتوحة نحو العمق في اللغة والتحليق لخلق حالة إبداعية متفردة ومتجدّدة في مجال القصة والرواية، ولها تجربتها المتكاملة والناضجة، تميّزت بالواقعية وقربها من القضايا الاجتماعية والإنسانية والوطنية ولها الكثير من الإصدارات الأدبية، ومن مجموعاتها القصصية نذكر “ويلبس الوأد ثوباً آخر” و”لون رمادي للبقاء” و”نواصي الاغتراب” و”سماء ثامنة” الفائزة بالمركز الأول بـ”مسابقة النيل والفرات” في مصر، وفي الرواية لها “ومضى” فازت بالمركز الثاني عن فرع الرواية “مؤسسة النيل والفرات للطبع والنشر والتوزيع” في مصر، و”حبر سريّ” الطبعة الأولى في مصر “دار همسة”، والطبعة الثانية في سورية عن “دار أمل الجديدة”، ولها مجموعة قصصية مشتركة للأطفال بعنوان “حكاياتي”، وكتاب مشترك في التنمية البشرية وقطوف الحضارة بعنوان “لمحات أدبية”، ومسرحية بعنوان “البصير”، وهناك أعمال قيد الطباعة.
وتأخذنا الكاتبة ضحى أحمد إلى عالمها الإبداعي، وبدايتها التي كانت في عام 2001، ومجموعتها القصصية “ويلبس الوأد ثوباً آخر”، حاولت من خلالها الإضاءة على واقع المرأة في الشرق وما تتعرّض له من وأد اجتماعي وإنساني وعلى كل المستويات والمجالات فارتدى الوأد أثواباً عديدة وجديدة.
وترى أحمد أن لكل جنس أدبي خصوصيته وجمهوره وشخصياته وطرائق سرده والوعاء الزمني والإطار المكاني لأحداثه، فالقصة القصيرة تعتمد بشكل أساسي على التكثيف وبراعة الالتقاط ضمن حركة محدّدة للشخصيات، فهي محكومة بإطار زمني ومكاني محدود مع الاحتفاظ بفنيات القصّ وتقنياته، أما الرواية فلها فضاء أرحب من حيث الزمان والمكان وتعدّد الأصوات وعدد الشخصيات وحركتها، ويمكن من خلالها معالجة قضايا عدة ضمن خطوط متعدّدة ومستويات متباينة تتآلف لتشكل ثيمة الرواية، ما سيفرض طريقة سرد مختلفة وحركة شخصيات تواكب تنوع الأحداث وربما الأمكنة، فإذا كانت القصة القصيرة اقتطاع لمشهد حياتي فالرواية حياة بأكملها، ويختلف الأمر جذرياً عند الكتابة للمسرح، حيث يمكننا إطلاق صرخات من خلال الحوار المباشر وملامسة وجدان الجمهور ومشاعره وتحقيق رؤاه ومعالجة قضاياه بشكل مباشر، فالجمهور شريك أساسي في النص المسرحي. وحول الكتابة للأطفال تقول إنه لابدّ من امتلاك الكاتب الوعي الكافي بسمات الطفولة والبراعة في استخدام الأدوات لتقديم النصوص بلغة بسيطة وقريبة من عوالم الطفولة، مستخدماً التخييل وأنسنة الأشياء والحيوانات بعيداً عن المباشرة، والأخذ بالحسبان المرحلة العمرية للفئة المستهدفة فما نكتبه لمرحلة الطفولة المبكرة من عمر (1-3) سنوات، يختلف عن النصوص الموجهة لمرحلة الطفولة المتوسطة ومرحلة الطفولة المتأخرة المتاخمة لمرحلة المراهقة الحساسة جداً في حياة الإنسان، كلّ ذلك من دون الاستهانة بعقل الطفل، فالطفل مخلوق صغير وليس عقلاً صغيراً، لذلك تظن الكتابة للأطفال من أكثر الأجناس الأدبية دقة وتحتاج إلى روية ودراية.
وما تزال أحمد تؤكد أن النص الجيد يفرض نفسه على المشهد الثقافي والجمهور، سواء أكان قصيدة أم قصة أم رواية أم غير ذلك، وتتابع حديثها بالقول: “القصة والرواية لهم جمهور عريض بحكم تطور الحياة وقدرتهما على معالجة القضايا والهموم اليومية الواقعية، كما أن للشعر جمهوراً واسعاً يحلّق مع صوره ومجازه ويعطي جرعة مكثفة من ضوء.
ويحضر الرمز بقوة في كتاباتها فيعطي إشارات متعدّدة بأسلوب مختلف ومتعدّد المستويات، فالرمز أكثر امتلاء وأبلغ تأثيراً من الواقع لما له من وظائف في البناء الفني للكتابة واندفاع بالحدث والزمن للحدّ الأقصى، وانزياح في قواعد الإبداع ومكوناته، ما يمكّن الكاتب من اقتناص اللحظة الشعورية، ويستطيع أن يمازج من خلاله بين الحسي واللامادي والانتقال من المألوف إلى قمة الإدهاش، ما يخلق حيوية للسرد ويضفي عمقاً وبعداً للفكرة.
وعن اختيارها لموضوعاتها تقول: “يكفي أن نكون في هذا العالم المتناقض لنقبض على الوتائر التي تصنع القلق الإبداعي وتحفّز للكتابة، فهي بالضرورة تراكم تصنعه الحياة وتشكّل منه ذاتنا البشرية، فكل ما تكتبه هو تحويل مباشر وغير مباشر لأحداث مؤثرة لا يمكن أن تمرّ وكأنها لم تكن، فتحاول من خلال الكتابة كشف النقاب عن الحالات الاجتماعية والسياسية والحياتية برؤيا خاصة”.
وهي ترى أن الكتابة أداة عابرة للأزمنة، وأداتها للتعبير عن أفكارها وملامح هويتها الإنسانية بلغة تسعى للتطور، تكاد تكون الفعل الأهم على الإطلاق بالنسبة إليها بما تختزنه من تجربة إنسانية فردية ستشكل بالضرورة تجربة جمعية، الكلمة تجعل السماء أقرب وتعيد ألق اللون.
وترى أحمد أن الجوائز تخلق حالة من التحفيز ومتعة بالإنجاز وتشحذ الفكر لتقديم الأفضل “فالتصميم يصنع الكثير لكن التشجيع أكثر”، والجائزة تحديد لنقطة إحداثيات الكاتب في المشهد الثقافي، لكن لا تعدّ ذلك هاجسها وغايتها، إنما نتيجة لإبداع متفرد، كما ترى أنّ تعدد الأصوات في الرواية يخلق حيوية السرد وجماليات فنية وجودة وبراعة في حركة الشخصيات ضمن وعاء زمني ومكاني ضمن مضمون سردي يمتشق لغة باذخة مبتكرة.