من “المجلس” وإليه… التشريع بين العقاب والوقاية
أحمد حسن
بالأمس أقرّ مجلس الشعب مشروع قانون التشدّد في عقوبات سرقة مكونات شبكات الكهرباء والاتصالات، في وقت أعلن رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات، القاضي جهاد مراد، انتهاء اللجان القضائية الفرعية في المحافظات من دراسة الاعتراضات المقدّمة على عملية الترشّح إلى الدور التشريعي الرابع لـ “المجلس” ذاته، استناداً لأحكام قانون الانتخابات العامة.
وإذا كان عدم الترابط هو ما يسم الخبرين للوهلة الأولى، إلّا أن تدقيقا بسيطا يكشف عن أكثر من رابط بينهما، فإذا كان الرابط الأول يحيل إلى حقيقة انتظام مسار الدولة بشقيه العملي والتشريعي رغم كل المحاولات لإسقاطها وزعزعة أسسها، فإن ارتباطهما معاً بـ “المجلس”، باعتباره السلطة التشريعية – والرقابية الشعبية – الأعلى، يشي بالكثير، ويتطلّب الكثير أيضاً.
هنا، يمكن القول إنه إذا كان إعلان انتهاء دراسة الاعتراضات هو أمر كافٍ للبدء الفعلي بالإجراءات الميدانية للعملية الانتخابية، من حيث عرض المرشحين أنفسهم وبرامجهم على الناخبين / المواطنين، فإن تشديد العقوبات على اللصوص – وقد سبقه تشديد العقوبات على لصوص العملية الامتحانية – ليس أمراً كافياً لإنهاء ظاهرة اللصوصية والفساد التي تصيب المجتمع والوطن – أي مجتمع وأي وطن – في مقتل، لأن الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك، وبالطبع ليس لإنهاء الظاهرة من جذورها، فذلك أمر غير ممكن على وجه الإطلاق في أي مكان على وجه البسيطة، بل للحدّ منها، ومما يشابهها، إلى أقل قدر ممكن، وتلك هي بالتحديد أحد “أخطر” مهام مجلس الشعب التي أناطه بها الدستور إذا نظرنا إلى مهامه المحدّدة في المادة الخامسة والسبعين بنظرة أوسع تجمع ما بين دوره التشريعي والرقابي العقابي المعلن ودوره الرقابي الوقائي المضمر في الآن ذاته.
والحال، فإن “المجلس” يختص، وفق الفقرة الخامسة من المادة المذكورة، بـ “إقرار خطط التنمية”، وهنا بيت القصيد؛ فمن جهة أولى لا تعني “إقرار” هنا “البصم” على “الخطط” المقدمة من السلطة التنفيذية، بل هناك مجال واسع للنقاش والتغيير والتبديل فيها، ومن جهة ثانية فإن “التنمية” لا تعني مجرّد أرقام إحصائية تتضمنها الموازنة العامة للدولة، أو أي خطة أخرى، بقدر ما تعني تهيئة البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالشكل الأمثل لمواجهات جميع التحديات الداخلية والخارجية. ولنكون أكثر دقة فإن “التنمية”، وخططها، تشمل أيضاً، إلى جانب تأمين الوفرة المادية، الجوانب المعنوية، مثل الحرية واكتساب المعرفة وحق التمتع بالجمال واحترام الكرامة الإنسانية والمشترك الإنساني؛ وتفعيل ذلك كله يعني مباشرة الحدّ من العوامل، الاقتصادية والأخلاقية، الدافعة للفساد بمعناه العام، والسرقة أو الغش بمعناهما المحدّد سواء في قانون تشديد العقوبات على سرقة مكونات شبكات الكهرباء والاتصالات، أو الغش في العملية الامتحانية، أو بقية أنواع الفساد في القطاعات الأخرى، وذلك تحديداً ما يحقق الربط الأمثل بين الجانب العقابي والجانب الوقائي على أكمل وجه ممكن، وهذا أيضاً خطوة كبيرة لتحقيق ما يطلق عليه فقهاء القانون “الأثر النفسي للقانون”، بما يعني، باختصار شديد، انعكاسه فعلياً على أرض الواقع من حيث ارتفاع مستوى “مقبولية” الناس له، وانصياعهم الطوعي لبنوده.
خلاصة القول.. لا فعالية حقيقية للتشريع العقابي ما لم يرتبط فعلياً، وبصورة وثيقة، بالجانب الوقائي المتمثّل بتهيئة البيئة المجتمعية والاقتصادية والسياسية، وتحسين شروط الكسب المشروع أمام عموم المواطنين، وبالتالي إلغاء كل الذرائع، ما أمكن ذلك، من أمام المجرمين، وإذا كان ذلك مسؤولية أعضاء “المجلس”، إلى جانب مؤسسات الدولة الأخرى ذات الصلة، فإنه اليوم، وقبل أي شيء آخر، فرصة ومسؤولية الناخب لإيصال الأكثر قدرة وكفاءة على هذا الربط إلى هذا المكان، وهذا هو التحدي القادم بامتياز.