ثقافةصحيفة البعث

غنام لطلاب المعهد: عندما يكون المسرح في خطر فهذا يعني أنّنا لم نحسن الدفاع عنه

أمينة عباس

لم تكن زيارة الفنان المسرحي الفلسطيني غنام غنام، مؤخراً، إلى دمشق بدعوة من المعهد العالي للفنون المسرحيّة ليلتقي طلبته ويُكرَّم ضمن ملتقى الإبداع، إلا عودة المشتاق المحمّل بالشوق والحنين لتلك الأيام الجميلة التي قضاها على خشبات مسارحها وفي مهرجاناتها، فكان حريصاً على ألا يأتي خالي الوفاض، فقدم عرضه المسرحي “بأم عيني 1948” على مسرح فواز الساجر في المعهد: “عودتي إلى دمشق هي بروفا لعودتي إلى فلسطين.. حين أعود إلى دمشق أعود إلى نفسي وأستعيد نبضي، ودمشق كانت دائماً نبض كل المثقفين العرب”.

اعتبر غنام غنام وجوده في دمشق والمعهد ضمن ملتقى الإبداع عيد ميلاد جديد له وهو يحتفل مع الطلبة  بمرور أربعين عاماً على عمله في المسرح، وتحدث معهم في البداية كفلسطيني هُجّر من بيته وأرضه عام 1967 وهو في عمر ال12 قاصداً مدينة جرش الأثريّة في الأردن، محمّلاً بشغفه للمسرح الذي كان يمارسه في مدرسته قائلاً: “كان المسرح وسيلتي الأجدى كلاجئ لأعبّر عن هويتي وأتفاعل مع المجتمع الجديد، فلم أتوقف عن تقديمه، مستعيداً كل ما اشتغلتُه في أريحا مع من هم أكبر مني وأصغر مني لأصبح نجماً مدرسياً خلال عام واحد من دون منازع، ومن هنا عرفتُ أن المسرح وهويتي ومجتمعي وثقافتي هي الدرع الحصين، فدونها أكون بلا لون ولا رائحة”، مضيفاً: “انتقلتُ إلى عمّان عام 1983 وفي عام 1984 احترفتُ المسرح، وكان حظي وافراً لأنّي بدأتُ الخطوة الأولى مع مؤسس المسرح الأردني المعاصر هاني صنوبر الذي أسس أول تنظيم مسرحي محترف “أسرة المسرح الأردني” ليقدّم عملاً فنياً فيه وجوه جديدة وكنتُ من بين هذه الوجوه، وقد آمن بي ومنحني ما يمنحه المعلّم لتلميذه، ثم شكّلتُ فرقة مسرحية تحت مسمّى “موال” قدمتُ من خلالها مسرحية بعنوان “اللهم اجعله خيراً” من تأليفي وإخراج جبريل الشيخ، كما لعبتُ دوراً رئيساً فيها، وبعدها رفعتُ سقف التحدّي فأنجزتُ كمخرج ومعدّ مسرحية “ما تبقّى لكم” لغسان كنفاني التي مُنِعت من العرض قبل الافتتاح بيوم، وحُلَّت الفرقة على إثر ذلك”.

ولأن المسرح أصلب وأصعب من أن يسقط من حياة غنام أعاد تشكيل الفرقة تحت مسمى “مختبر موال المسرحي” الذي كان علامة بارزة في خارطة المسرح الأردني في التسعينيات، ومن خلاله قدّم أعمال مسرحية عدة “عنتر زمانه” و”النمر” و”من هناك” و”الجاروشة” و”كأنك يا أبو زيد”، ثم ترك المختبر ليشكّل فرقة المسرح الحر وقدّم فيها أعمالاً مهمة، وفي العام 2006 تركها وبدأ يقدّم أعماله باسم فرقة غنّام غنّام”.

برع غنّام في المونودراما التي خاض غمارها عام 2007 وأثمرت “أنا لحبيبي” و”عائد إلى حيفا” و”سأموت في المنفى” و”بأم عيني 1948″، يقول: “بدأتُ العمل في المسرح عام 1984 وكانت أول مونودراما لي عام 2007 وقبل ذلك كان الجميع يحرّضني على القيام بعمل مونودرامي، لكنني كنتُ أخاف ولم أستطع أن أخوض هذه التجربة قبل ذلك والسبب أن المونودراما شكل مسرحي صعب، وصعوبتها تكمن في ما هو الشيء الذي سيجعل الناس يجلسون ساعة لمشاهدة عرض لممثل واحد؟ خاصةً أن الجيل الحالي جيل “الموبايل” ليس لديه قدرة على المتابعة الطويلة”، مبيناً أن الممثل هو الأساس في أي عمل مسرحي، وفي المونودراما بشكل خاص: “على ممثل المونودراما أن يكون مثل الساحر لديه القدرة في كل لحظة على إدهاش الجمهور”، ولأن المونودراما من أصعب الأنواع المسرحيّة استغرب غنام غنام حين سمع، مؤخراً، عن نية أحدهم القيام بمسابقة مونودراما في المسرح المدرسي: “لا أدري كيف يمكن لأحد أن يفكر بذلك.. هذا أمر كارثي.. المونودراما فن صعب جداً، ومن يقول غير ذلك شخص مستسهل”.

لم يرَ غنام مانعاً من أن يكون الممثلَ والمخرجَ والكاتبَ وهذا ما فعله في الكثير من الأعمال: “أنا مع التخصص في كل شيء، لكن هذا لا يمنع أن يكون المسرحي كاتباً وممثلاً ومخرجاً بشرط أن يقوم بكل هذه الأدوار من دون أن يعتدي دور على دور آخر.. في المونودراما أفضّل أن أكون كاتباً ومخرجاً وممثلاً، لأنني أعمل بشكل قاس جداً وأعيش صراعاً لا يمكن لأحد أن يتخيله”، وانطلاقاً من دراسته للهندسة المساحية وجد غنام غنام أن أكمل شكل هو الحلقة أو الدائرة، فهي لا نهاية لها ولا بداية وليس فيها زوايا.. من هنا خاض تجربة ما سماها بالجلسة المسرحية التي يسرد من خلالها كممثل وحيد ما يريده، مستغنياً فيها عن كل العناصر الفنية في العرض المسرحي، وأهم ما يميزها أنه يستطيع تقديمها في كل مكان، مستعيناً فيها بما حملته ذاكرته: أربعة شعبيين كانوا يحييون الأفراح من دون أن يدركوا أن ما يقومون به شكل مسرحي، فقدم غنام جلسات مسرحية عدة إلى جانب المونودراما والأعمال المسرحيّة الأخرى التي تعتمد على التقنيّات الفنيّة وعلى وجود فريق كامل يعمل معه: “أنا مؤمن بضرورة ألا أحصر نفسي بنوع مسرحي واحد”.

يعمل غنام في المسرح وفي ذهنه العامة والخاصة: “المسرحيّة يجب أن تتوجه للخاصة والعامّة وليس لطرف دون الآخر، الجميع يجب أن يكون معنياً بالتأويلات التي تحملها المسرحيّة”، ويتفق مع الغالبية في أن وضع المسرح ليس بخير: “ما زال قائماً على التجارب الفرديّة في ظل غياب لاستراتيجيّات مؤسساتيّة تخص المشروع المسرحي، من هنا هو يقف على رمال متحرّكة”، كما حمل غنام المسرحيّين مسؤولية ذلك: “عندما يكون المسرح في خطر يعني أنّنا لم نحسن الدفاع عنه ولم نحسن تقديمه، المسرح عمليّة نضاليّة ومن دون نضال طويل يتحول إلى ترف ذاتي”، معبراً عن رضاه عن  تجربته: “راضٍ عن كل محاولاتي الدؤوبة في تجاوز كل الصعوبات وعن كل فكرة فكرتُ فيها في المسرح وأنجزتها وأنا راضٍ لأنني لم أعمل إلا بملء إرادتي، ولكنّني لست مكتفياً وما زالت عندي أحلام كثيرة لم تتحقق”.

ورداً على أسئلة الحضور من الطلبة والإعلاميين والمسرحيين لم يخفِ غنام أن مسيرته المسرحية واجهها الكثير من الصعوبات: “الإنسان السوي يحوّل العقبة إلى فرصة ولا يقف عندها وإلا لن يكون موجوداً في المشهد المسرحي، وأولى هذه العقبات أنّي لم أدرس المسرح ولم أستطع تحقيق هذا الحلم، فدرستُ في معهد لتعليم اللاجئين الأونروا هندسة المساحة، ولما دخلتُ المعهد وجدتُ أستاذاً كبيراً يدعى محمود أبو غريب وقد شكّل نادياً للمسرح فدرستُ المسرح والمساحة في الوقت ذاته وقرأتُ من المكتبة ما لم يقرأه طلاب الدكتوراه لأتجاوز فكرة المعلومات التي كان يمكن أن أحصل عليها من الدراسة.. وحتى الآن لا أعتمد على ما أعرفه وأعدّ نفسي جاهلاً ولا أتردّد في قراءة أي مقالة عن المسرح لا لنقدها بل لأتعلّم منها.. لقد تجاوزتُ كل الصعوبات بسبب إيماني بمشروعي الذي دعمته بالثقافة والمعرفة والموقف الفكري”.

وعن واقع المسرح في فلسطين رأى غنام أنه مسرح ناضج وناشط وفاعل، والمسرحيون في فلسطين يعملون بدأب شديد تحت القصف، وما يحدث حالياً يتطلب الارتقاء مسرحياً إلى مستوى التحدي وقد عادتْ فلسطين مجدداً إلى المشهد السياسي العالمي بعد محاولات محوها وتغييبها عربياً ومحلياً: “ليس كل ما نقدّمه كفلسطينيّين عن القضيّة الفلسطينيّة نقدمه بشكل مباشر، فالدفاع عن الحق والجمال والخير والحرية هو دفاع  عن فلسطين”.

عاد غنام بالذاكرة إلى تلك الأيام التي عاشها كمسرحي في سورية، متناولاً عروضه وجولاته في دمشق وفي المحافظات السوريّة: “لا يمكن أن أصف تلك المحبة والاحتضان الذي قوبلتُ فيه في دمشق، وقد قدّمتُ عروضي على مسارحها وفي بيوتها القديمة، وكان آخر عرض مسرحي لي فيها بعنوان “يا مسافر وحدك” من تأليفي وإخراجي وشارك في مهرجان الرقة وقد نال جائزة أفضل عرض، وفي “مهرجان الهواة” للمسرح الذي كان يقيمه زيناتي قدسيّة”، مبيناً كأحد المساهمين في تأسيس الهيئة العربية للمسرح التي تقيم مهرجان المسرح العربي في كل عام في دولة من الدول العربية أن الهيئة متشوقة لإقامة إحدى دوراته في دمشق حالما تتهيأ الظروف المناسبة.

بدوره، أشار الدكتور تامر العربيد عميد المعهد العالي للفنون المسرحية في تصريحه لـ”البعث” إلى أن: “وجود غنام غنام في المعهد وفي دمشق أمر مهم، فهو مسرحي كبير وصاحب تجربة غنية، قدّم خلال زيارته نوعاً من المسرح المهم هو مسرح الحكاية من خلال تجربة شخصيّة مسرحها بحميميّة وتواصل حرّ وجميل مع الجمهور، وكان العرض تجربة مهمة للطلاب لأنه يعتمد على قدرات مسرحيّة، وهذا جزء من أهمية المشروع في ملتقى الإبداع الذي يقدّم تجارب فنّانين كبار تستحق أن تكون قدوة للطلّاب الأكاديميّين وتكريماً له واعترافاً بتجربته”.