القائد المؤسّس وتراكم الدعم للمقاومة الوطنية
طلال ياسر الزعبي
لا شك أن القائد المؤسّس حافظ الأسد أدرك بعد الانتصار الكبير في حرب تشرين التحريرية على العدو الصهيوني، أن الغرب الجماعي بأكمله، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، لن يتركوا قاعدتهم المتقدّمة في منطقتنا، تنهار أمام الضربات المتتالية لجيوش دول الطوق، وبالتالي سعت واشنطن جاهدة لجرّ هذه الدول إلى اتفاقيات سلام منفردة مع الكيان الصهيوني، فكانت اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، ثم جاءت اتفاقية وادي عربة التي خرج فيها الأردن من الصراع، وتبعتها اتفاقية أوسلو التي كان يترتّب عليها حسب التخطيط الأمريكي تصفية القضية الفلسطينية ونسف حق العودة، بعد الاطمئنان إلى أن لبنان سينقاد إلى اتفاق مشابه مع الكيان تمكّنت سورية بمساعدة القوى الفاعلة على الساحة اللبنانية من وأده في مهده.
كل ذلك كان طبعاً تمهيداً للاستفراد بسورية وفرض الاستسلام عليها، وخاصة أنها الوحيدة التي استمرّت تحت القيادة التاريخية للرئيس الراحل حافظ الأسد في رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني والتنازل عن الأراضي العربية المحتلة في عامي 1948 و1967، وهو ما ترجم عملياً بدعم المقاومة في المنطقة، وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية، فكان أن واجهت سورية منذ ذلك الحين ضغوطاً هائلة لإجبارها على التخلّي عن القضية المركزية، تارة باستخدام الترغيب، وتارات أخرى باستخدام الترهيب عبر المنظمات الإرهابية التي تمّ إنشاؤها سابقاً بدعم غربي وتمويل واضح من الرجعية العربية، فواجهت سورية إرهاب “الإخوان المسلمين” في ثمانينيات القرن الماضي لإجبارها على التخلي عن حركات المقاومة ورفضت ذلك، واستمرّت في إنفاق جهدها السياسي والمعنوي في دعم هذه الحركات التي تناضل من أجل استرجاع الحقوق العربية.
وكان الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي أريد منه أن يصبح لبنان خنجراً في الخاصرة السورية، فضحّت سورية بدماء أبنائها وبمصالحها مع عدد كبير من الدول مقابل أن تستمرّ المقاومة واقفة على قدميها، فزادت دعمها للمقاومة الفلسطينية على كل الجبهات، واحتضنت العديد منها، وتم إسقاط اتفاق السابع عشر من أيار عام 1983 الذي سعت “إسرائيل” من خلاله إلى تدمير منظمة التحرير الفلسطينية المتمركزة في لبنان، وإجبار لبنان على توقيع اتفاق سلام معها بشكل يضمن لـ”إسرائيل” تأمين حدود فلسطين المحتلة مع لبنان، وإيصال رئيس جمهورية غير معادٍ لها.
وفي الخامس من آذار عام 1984 تم إلغاء هذا الاتفاق من الجانب اللبناني تحت ضغط شعبي عارم، وذلك بموازاة معارضة سورية شديدة بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد الذي قال لجورج شولتز وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وريتشارد مورفي المساعد للشرق الأدنى، بعد أن شرح له فيها عن الاتفاق بين لبنان و”إسرائيل”، مدة أربع ساعات، عبارته التاريخية: إن هذا الاتفاق لن يمرّ. وبعدها بأيام أنهي الاتفاق.
وساندت سورية عقب ذلك مباشرة تشكيل المقاومة الوطنية في لبنان التي وقع على عاتقها إنجاز التحرير في عام 2000، حيث اضطر الجيش الصهيوني للانسحاب من جنوب لبنان، وتم القضاء على جيش العملاء في الجنوب اللبناني بقيادة أنطوان لحد، وتثبيت معادلة المقاومة في الجنوب اللبناني.
هذا الدعم السوري المستمر لحركات المقاومة في كل من فلسطين ولبنان، وتأمين التغطية السياسية لها في المنطقة، وصولاً إلى الدعم الذي قدمه الرئيس المقاوم بشار الأسد وما واجهه من ضغوطات كبيرة للتخلي عن حركات المقاومة، وانتصاره على جيوش الإرهابيين من أكثر من ثمانين دولة، عزّز دور المقاومة في المعادلة الجديدة في المنطقة، ووسع دائرة المواجهة للوجود الصهيوني، لتأتي حرب تموز عام 2006 وما تلاها من انتصارات للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية تتويجاً لهذا العمل الدؤوب والمضني لصناعة جيل كامل من الشعوب المؤمنة بحقها في المقاومة والدفاع عن أرضها.
ومن هنا ليس غريباً أن يتم تتويج كل هذا الجهد بعملية طوفان الأقصى المباركة التي مرّغت أنف الكيان الصهيوني في التراب، وأشعلت جذوة النضال من جديد ضدّه، وهي، دون شك، ستكون بداية لمرحلة جديدة تؤسّس لزوال هذا الكيان البغيض عن المنطقة برمّتها.